إلى الهاوية

TT

وكأن الفلسطينيين كانوا بحاجة لجزء جديد يضاف في روايتهم الحزينة، ولكن يبدو أن الطريق لا يزال مليئا بالحزن والصدمات والمفاجآت غير السارة. وإلا كيف يمكن قراءة وتفسير ما حدث من خلال المواجهة الدموية الحادة بين «حكومة» منظمة حماس في قطاع غزة، وبين الفصيل الجديد «الغريب» المسمى «جند أنصار الله»، التي أسفرت عن مقتل العشرات، بمن فيهم زعيم الفصيل، الشخصية الغامضة والمثيرة للجدل، الدكتور عبد اللطيف موسى، المعروف باسمه الحركي «أبو النور المقدسي».

وجاءت هذه المواجهات بعد أن أعلن الرجل عن قيام «إمارة إسلامية» في قطاع غزة، وذلك بأسلوب شديد التطرف، مذكرا بنفس اللهجة العنيفة التي تخرج من الجزائر عن طريق الفصائل التي تقاتل الحكومة، ونفس اللهجة التي تستخدمها «طالبان»، وذات الأسلوب المتبع من قبل تنظيم القاعدة. إنها نفس المفردات وذات الأسلوب واللهجة، نسخ متطابقة لأدلجة غليظة غير قابلة للتعايش مع أحد.

وحقيقة لم يعد غريبا أسلوب الفوضى والنرجسية العجيبة المتبعة من قبل «هذه» الجماعات المتشابهة حين يستيقظ أحدهم من نومه وينادي نفسه زعيما للأمة ويطلب مبايعته على السمع والطاعة، كما فعل أبو النور المقدسي، ولا يهم بعد ذلك ما يأتي من دمار وخراب وفتنة وانشقاق.

أسلوب جاهلي وأناني يدفع ثمنه الأبرياء دوما، ومع ذلك تستمر الصورة في التكرار، وبأشكالها المتنوعة في مناطق متعددة من العالم، ولا خاسر سوى المسلمين الذين لا يزالون أغلبية صامتة بحاجة لأخذ مواقف أكثر صرامة وقوة في مواجهة «الأفكار» المنبتة لهذه الجماعات، ومنع وحظر تداول ونشر الكتب «التراثية» الملغمة ببذور هذه الأفكار، وهي كتب لا تزال تمجد على أنها من أمهات المصادر ومنابع الفكر.

حماس أوجدت مناخا متطرفا في قطاع غزة وغذته بدكتاتورية في ممارسات الإدارة، فكان لزاما أن يخرج من رحم هذه التجربة ما هو أشد تطرفا وأشد غلوا، فأتت هذه الجماعة «المؤقتة»، «جند أنصار الله»، التي يبدو أنها لم يُقضَ عليها كليا، إذ صدرت تصريحات من قيادات «جديدة» تعد بالانتقام ومواصلة «الجهاد»، ولم تكد الساعات تمضي على خبر تصفية المقدسي حتى ظهرت جماعة جديدة من نفس «الصنف»، في غزة أيضا، باسم «سيوف الحق» تهدد حماس باستهداف قيادتها والمراكز الأمنية التابعة لها.

الفلسطينيون يقدمون لإسرائيل أكبر خدمة لها في التاريخ، ويقومون هم بالتصفية البينية بشكل منظم ومتواصل، بلا رحمة ولا هوادة، وكل عيب ونقد وجه لإسرائيل على قدرتها على إفراز التطرف الأصولي بات من الممكن توجيهه للفلسطينيين أنفسهم أيضا.

الأسماء الحركية للمنظمات المسلحة التي تتغلف بأسماء الدين مثل «سيوف الحق»، و«جند أنصار الله» وغيرهما، كلها مشاريع دمار سياسي لا بد من وقفه حازمة أمامها، لأن هذا الفكر لم يؤد إلا إلى هاوية تلو الأخرى.

[email protected]