عبور نقطة النهاية

TT

كانت واشنطن خلال أغسطس الحالي محطة للعديد من الوفود والمسؤولين العرب الذين نقلوا رؤية عواصمهم إزاء الأفكار التي يجري تداولها قبل أن تعلن إدارة الرئيس الأميركي خطة تحركها لإطلاق مفاوضات السلام مجددا، والمتوقعة في سبتمبر المقبل.

وأعطت التصريحات التي صدرت عقب المباحثات لمحة عما يدور وراء الكواليس من أفكار، فمن جانبه قال وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل إن أسلوب الخطوة وراء خطوة لم ولن يؤدي للسلام، مطالبا بأسلوب شامل يحدد النتيجة النهائية منذ البداية، بينما كان لوزير الخارجية الأردني ناصر الجودة تصريح في واشنطن حذر فيه من تكرار ما حدث في السابق، عندما وصلت الأطراف إلى نقطة النهاية لتوقيع اتفاق سلام، لكنها فشلت في عبوره.

ولا بد أن الوزير كان يقصد ما حدث في ماراثون مفاوضات كامب ديفيد خلال رئاسة كلينتون بين عرفات وباراك، والتي انتهت بانتفاضة ثانية مسلحة هذه المرة أعادت عملية السلام التي انطلقت عقب أوسلو إلى الوراء سنوات وخلقت جدارا نفسيا أكبر من السابق يصعب مهمة أي مفاوضين.

وقبل بدء مباحثات للرئيس المصري مبارك في واشنطن أمس، كان هناك تحذير من جانبه من أن عملية السلام لا تحتمل فشلا آخر، بينما شدد مسؤولون مصريون آخرون على أن إسرائيل باعتبارها القوة المحتلة هي التي يجب أن تبدأ الخطوة الأولى لا العرب، ردا على طلبات أميركية بخطوات عربية تطبيعية من أجل تهيئة الأجواء مع إسرائيل لعملية السلام.

وسط هذا لا تصرح واشنطن، وبالتحديد مبعوثها ميتشل الذي قام بعدة زيارات مكوكية إلى المنطقة، بالكثير عما تفكر فيه، باستثناء بعض الأفكار التي يجري تسريبها ليحدث جدل حولها، مثل دعوة العرب إلى خطوات باتجاه إسرائيل مثل إعادة فتح مكاتب أو تسهيل رحلات طيران وزيارات مع انطلاق المفاوضات، بينما لا يزال التصادم قائم بينها وبين تل أبيب حول مسألة الاستيطان.

وتوحي النظرة الأولى للوضع بأنه لا يوجد جديد عما كان يحدث في المفاوضات أو المحاولات السابقة وبينها أنابوليس، فمطالب طرفي الصراع متصادمة، بدون القدرة على تحقيق اختراق إلى الأمام، والوسيط حائر ويطلق بالونات أفكار لا تجد أرضا خصبة لها.

لكن النظرة الأولى في أحيان تكون خادعة، فهناك الكثير من التغيرات التي توحي بأنه ربما تكون هناك فرصة حقيقية هذه المرة لعبور نقطة النهاية، وأهمها أنه كما تسرب، فإن رؤية الإدارة الأميركية الحالية لعملية السلام إقليمية تربط المسارات ببعضها، وهو كما يبدو استفادة من تجربة الدروس السابقة التي أظهرت أن المسارات تؤثر على بعضها، فتقدم المسار الفلسطيني يستلزم ضبط الفصائل التي تتخذ من دمشق مقرا لها، وهو ما لن يحدث إلا إذا كان هناك تقدم على المسار السوري نفسه، ولا يحتاج الأمر إلى شرح كبير لإدراك أن تداعيات تقدم المسار السوري يمتد بالضرورة إلى لبنان في كبح حزب الله هناك عن دخول مغامرات جديدة.

والأطراف العربية أيا تكون تبايناتها، تبدو راغبة في الاستفادة من الفرصة التي تلوح مع الإدارة الأميركية الحالية، بينما تبدو الحكومة الإسرائيلية الحالية هي التي تضع العراقيل، سواء في استمرار الاستيطان أو المطالبة باعتراف الفلسطينيين بيهودية إسرائيل بما قد يؤثر على وضع سكانها من العرب الإسرائيليين، وستظهر الفترة المقبلة مدى قدرة الجانب الأميركي على تذليل هذه العقبات مع إسرائيل.

هل سيتم تحقيق اختراق هذه المرة أم لا مسألة ما زالت في علم الغيب، وإن كانت المنطقة تحتاج ذلك بشدة في ضوء التحديات الأخرى التي تواجهها تنمويا، والمهم أن لا تعطي الأطراف العربية إسرائيل الحجة للتهرب من الاستحقاقات.