مبارك: اسألوا ابني

TT

لا يستطيع الرئيس المصري حسني مبارك أن يعقد مؤتمرا صحفيا خارج الأراضي العربية إلا وهو يدرك أن السؤال القديم سيتنطع أحد الصحافيين لطرحه: هل صحيح أنك ستورث الحكم لابنك جمال؟ قال الرئيس: «ليس في بالي أن يرثني ابني.. عليكم أن تسألوه».

وهذا ما حدث أول من أمس في واشنطن في مقابلة تلفزيونية مع الرئيس، حيث تكرر ما سبق من قِبل الإعلاميين في واشنطن في ثلاث زيارات سابقة، وبدأ طرح السؤال منذ عشر سنوات، ويبدو أن تكراره بات أمرا لا فكاك منه. فجمال مبارك عمليا أحد قيادات الحزب الوطني، الحزب الحاكم، والإعلام المصري يجادل في المسألة علانية. السؤال مشروع وضروري من فترة إلى أخرى، وربما ساهم تكرار السؤال على مدى السنين الماضية في ترسيخ القناعة بقدوم جمال رئيسا لأكبر الدول العربية. والحقيقة أنها ليست فكرة سيئة في منطقتنا العربية التي تورث فيها الرئاسات الجمهورية خصوصا على الأقل إذا كانت الاحتمالات غير شعبية. الذي أعنيه أن التوريث أفضل إذا كانت الخيارات الأخرى قسرية، توريث لعسكري، توريث بالتزوير الانتخابي كما هو الحال عليه اليوم في إيران، أو كان الخيار هو الأسوأ، لا توريث ولا تعيين ولا انتخاب بل فراغ يماثل الفراغات السماوية السوداء المخيفة، التي تضع البلاد على كف عفريت.

ميزة جمال هي مشكلته، أنه ابن الرئيس مبارك وإلا ما أثير كل هذا اللغط ضده من قِبل المنافسين أو المشككين أو الرافضين للشخص أو المبدأ. وقلما نقرأ نقدا موضوعيا ينتقده، رغم كثرة ما كتب من نقد ضده في الصحافة المصرية نفسها. الذين يعرفون الرجل يقولون إنه سياسي محترم ومنضبط وصاحب تفكير حديث تحتاجه الإدارة المصرية القديمة، ويمثل نموذجا مختلفا عن المخضرمين. الذين يرفضونه يقولون إنه ابن الرئيس، لم يصعد السلم بدرجاته كما فعل الآخرون، جاء بالواسطة. ولا شك أن التخمينات المبكرة عن تأهيله للرئاسة أضرت به لأنه صار على مدى عقد كامل يواجه كما كبيرا من النقد والتجريح والتشكيك ويُنتقد غالبا فقط لهذا السبب، أنه ابن الرئيس، ورغم كثرة ما قيل لم يصبح رئيسا.

لكن، وبغض النظر عن ذلك، فالرئيس لم يعلن بعدُ عن مشروعه الرئاسي المقبل، إن كان ينوي الترشح مرة أخرى أو سيفتح الباب للغير، أو يترك الحزب الحاكم يقرر، وهنا قد يأتي جمال مبارك. ومهما كانت النتيجة فإن مصر دولة إقليمية كبرى ورئيسها صاحب قرار يتجاوز حدوده حدود مصر نفسها. الرئيس مبارك كان اللاعب الثابت في مواجهة المعسكرات المتطرفة في المنطقة، ومع أن الرئيس المقبل مسألة مصرية بحتة، وأهل مصر أدرى بشعابها، فالثابت أيضا أنه من الصعب تخيل مصر بعيدة عن إدارة أحداث المنطقة، ومن الصعب أيضا تخيل المنطقة من دون مصر. فهناك مصري بين كل ثلاثة عرب، وموقعها تماما في منتصف الإقليم.

[email protected]