هل حققنا النجاح؟

TT

اليوم هو أول احتفال بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهو فرصة للتفكير في مدى النجاح الذي حققناه في سبيل الوصول إلى الفكرة المثالية التي تدعو إلى مساعدة جميع من يحتاج إلى مساعدة، بغض النظر عن الجنسية أو النوع أو الدين أو التوجه السياسي. ولا شك أن ضمان وجود عمال الإغاثة خلال ساعات من وقوع الكوارث، يمثل إنجازا رائعا في حد ذاته.

ومع موافقة الجميع على أهمية العمل الإنساني، إلا أنه من المحزن أن عمال الإغاثة أنفسهم ـ الرجال والنساء الشجعان الذين يشعرون بأن واجبهم هو مساعدة ومنح الأمل لملايين من البشر ـ يتعرضون للنقد المتزايد يوما بعد يوم. ولا شك أن لذلك تأثيره السلبي على عملنا وعلى نجاة أولئك الذين يعتمدون علينا.

ولسوء الحظ فإن الحاجة إلى الإغاثة الإنسانية تستمر في الزيادة. وقد تعددت أسباب المعاناة الإنسانية خلال السنوات الماضية على الأقل بمقدار السرعة التي وجدت البشرية بها الأساليب الكفيلة بمعالجة هذه الأسباب.

وفي الوقت الذي قل فيه عدد الصراعات على مستوى العالم خلال العشرين سنة الماضية، ما زال سقوط البشرية في هاوية الصراعات مروعا. ويُعتبر ذلك النوع من الصراعات الذي نشهده في عصرنا الحاضر، مدمرا للحياة البشرية وأسباب العيش على وجه الخصوص.

وقد عملت التطورات الكبرى في سريلانكا وباكستان في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري على خفض نظام الإغاثة الإنسانية الخاص بنا إلى حدوده الدنيا. وقد شرد نحو مليونَي مواطن في باكستان خلال الأشهر القليلة الماضية، في أسرع عملية تشريد شعب خلال السنوات القليلة الماضية، وبالتأكيد في تاريخ باكستان. وفي سريلانكا، رغم خفوت حدة الصراع لحسن الحظ، فإن نحو 300.000 شخص ما زالوا يعيشون في معسكرات بها قدر ضئيل أو لا يوجد بها قدر من الحرية على الإطلاق، ينتظرون بشغف إمكانية الرجوع إلى بلادهم، ويعتمدون على الإغاثة حتى يجيء ذلك الوقت.

وفي هذه الأثناء، فإن الصراعات الطويلة مثل تلك الصراعات في دارفور وجمهورية الكونغو الديمقراطية والمناطق الفلسطينية المحتلة والصومال، ما زالت تؤثر على حياة الملايين. وما زالت عملية الإغاثة في دارفور ـ وهي الكبرى في العالم وقد دخلت عامها الخامس ـ تعاني من أجل تقديم المساعدة لنحو 4.75 مليون فرد من المدنيين الذين وقعوا فريسة للصراع. وفي الصومال، يحتاج ثلاثة ملايين وربع المليون نسمة إلى المساعدة العاجلة، ويمثل هذا الرقم زيادة بمقدار 50 في المائة عن العام الماضي، وسط أصعب وأخطر الظروف التي يمكن تخيلها.

وقد زادت شراسة الكوارث الطبيعية وتعددت نتيجة للتغير المناخي، وأصبح لها تأثيرات مرعبة على العديد من الشعوب الفقيرة لا سيما في آسيا خلال السنوات القليلة الماضية. وقد تسبب الإعصار نرجس في ميانمار خلال العام الماضي في مقتل نحو 140.000 نسمة وتشريد نحو مليونين من السكان الذين يحتاجون الإغاثة الإنسانية العاجلة للعيش خلال الأشهر المقبلة. وفي أميركا الوسطى، يتسبب موسم الأعاصير السنوي في تدمير البلاد الفقيرة كل عام. وتزداد المعاناة مع عدم استعداد البلاد الفقيرة لمثل هذه الكوارث. وما يزيد الطين بلة تلك التهديدات التي تؤثر على سبل العيش والتي يفرضها الفقر المدقع، والأزمات الغذائية والمالية، وندرة المياه والطاقة والهجرة والنمو السكاني والتمدن والأوبئة، وقد بات من الواضح سبب ازدياد الحاجات الإنسانية بطرق لم يتم تخيلها من قبل.

وقد اعتاد عمال الإغاثة التغلب على الصعوبات المناخية والجغرافية واللوجستية وتلك الصعوبات الخاصة بالبيئة التحتية، والتي دائما ما يواجهونها مع تقديم كميات كبيرة من المساعدات للأفراد في معظم الأماكن البعيدة أو التي لا يمكن الوصول إليها إلا بصعوبة كبيرة. وتُعتبر السرعة والتوقع اللذان يتم بهما تقديم الإغاثة اليوم، من الأمور التي يتعاهد عليها العاملون في مجال الإغاثة الإنسانية، مثل ما حدث في باكستان خلال العام الجاري.

ولكن دون موافقة الدول التي تعاني الكوارث ـ وفي بعض الحالات المتزايدة موافقة الجماعات المسلحة التي تسيطر على الأقاليم التي نحتاج إلى الوصول إليها ـ فإن الخبرة يكون لها تأثير محدود. وقد تزايد ضعف وصولنا إلى الأماكن التي تحتاج إلى مساعدات إنسانية عاجلة.

وسواء كان ذلك بقصد أو دون قصد، فإنه عندما يتم تقييد وصول المساعدات الإنسانية، فإننا نفقد الأرواح وتطول المعاناة دون حاجة إلى ذلك.

ويزداد حزني وفزعي بسبب تزايد الهجمات على عمال الإغاثة الإنسانية. ففي الوقت الذي يعاني فيه هؤلاء العمال الصعوبات والمخاطر التي يواجهونها، فإن مخاطر الوقوع ضحية الأحداث أو وجودهم في المكان الخطأ وفي الوقت الخطأ ـ تزداد يوما بعد يوم، بالإضافة إلى استهدافهم.

ونحن غالبا ما نقع ضحية للهجوم بسبب ما لدينا، مثلما هي الحال في دارفور أو تشاد حيث ينتشر قُطّاع الطرق، أو بسبب هوياتنا وهو الأسوأ، كما هي الصومال وأفغانستان وهذا العام باكستان، حيث قُتل عمال الإغاثة التابعون للأمم المتحدة على مدار عدة أشهر. وكان العامان الأخيران هما أكثر الأعوام دموية حيث أصبحت أعلام الأمم المتحدة والمؤسسات غير الربحية غير ذات جدوى.

وفي يوم 19 من أغسطس (آب) من عام 2003 تم تفجير مكاتب الأمم المتحدة في بغداد بواسطة شاحنة مفخخة. وقد قتل 22 عامل إغاثة وفقد أساتذة جامعات حياتهم وكان من بينهم سيرجو فييرا دي ميلو وهو أحد عمال الإغاثة، وقد أنقذ العديد من الأرواح في إحدى أخطر بقاع الأرض.

وفي هذه الاحتفالية بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، نحتفل بكل ما تم إنجازه، لنتذكر التحديات الكبرى التي تقف أمامنا بسبب تزايد الاحتياجات، ولنبذل المزيد للتأكد من تطبيق المبادئ الإنسانية الأساسية دون تحيز وبكل حيادية، ولنعمل على حماية عمال الإغاثة.

* نائب الأمين العام

للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية