نجاد وتوزير النساء

TT

ما توزيره لثلاث نساء إلا علامة من علامات المرحلة الجديدة، فهو مضطر إلى تقديم التنازلات لمختلف الفرقاء من أجل البقاء، والاستمرار في البقاء. انتهت سنوات جماهيرية الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، وجاء زمن العيش «النكد»، العيش بين المطرقة والسندان. ومع أنني أعتقد أن نجاد لم يقدم تنازلا على حساب أفكاره بل على حساب علاقاته مع غلاة المحافظين، فلم يعرف أنه معادٍ فكريا لمبدأ مشاركة المرأة في العمل السياسي، ولا يمانع في إدخالها إلى المناصب العليا في الدولة إلا أنه لا يريد الاصطدام بغلاة رجال الدين الذين ينتمي إلى معسكرهم، لكن بالتوزير النسائي يكون قد أدخل نفسه في خصومة معهم. قدم ثلاث وزارات للنساء على أمل أن يرضي جمهور الليبراليين من الشباب المعارض له، وتحديدا يحاول استمالة تيار النساء المؤثر اليوم في الشارع. أيضا ربما هي جزء من لعبة المواجهة، أنه باستمالة الليبراليين يعتقد أنه سيفقد الإصلاحيين، مثل موسوي وخاتمي، جمهورهم. سيحاول أن يبدو إصلاحيا بثياب محافظ.

قبل نحو عشر سنوات زرت طبيبة أسنان إيرانية في عيادتها، كان ذلك ضمن برنامج عمل في طهران التقيت خلالها عددا من النشطاء في الميدان السياسي. في وقت استراحتها حاورتها حول أمر لم يكن سهلا علي فهمه، فهي تنتمي إلى الفريق المحافظ وعلى خلاف سياسي مع محمد خاتمي، الرئيس آنذاك. لم أفهم كيف يمكن أن تكون امرأة تطالب بحقوق المشاركة السياسية للنساء وتؤيد خصوم المرأة، وتعادي التيار الإصلاحي الوحيد في الساحة؟!

الصورة كما شرحتها لي السيدة الطبيبة تبدو لي مشوشة لكن بالنسبة لها واضحة، فهي وإن اتفقت مع الفريق الإصلاحي في مسائل حقوق المرأة إلا أنها كانت تخالفهم في كل شيء آخر تقريبا. كانت تعمل في عيادتها في النهار وتشتغل بضع ساعات أخرى كناشطة سياسية في معسكر المحافظين دون أن تشعر بالتناقض. بالنسبة لي المسألة فيها تناقض صارخ بين الموقفين. فدخول المرأة مجال السياسة والعمل الحكومي، وتعديل الأنظمة لصالح المرأة، مسائل خلافية كبيرة وبالتالي يصعب علي فهم كيف تناصر المحافظين وهي تمثل ما يرفضونه. الحقيقة أنها نموذج لكثيرين في إيران آمنوا بأفكار الثورة لكنهم يصطدمون بعجزها عن تلبية حاجاتهم، خاصة جيل الشباب.

نجاد بتوزيره النساء الثلاث يكون أقرب إلى تفكير وسياسة رافسنجاني وخاتمي وموسوي، إصلاحيا في هذا الجانب، فهل يريد إفساد ساحة الشباب عليهم؟

إن طبيعة السياسي القدير أن يمسك العصا من المنتصف لا أن يكون طرفا. فإيران دولة كبيرة تتنازعها الأفكار والتيارات ولا يوجد هناك فريق واحد قادر على تحقيق كل شيء، سواء كان محافظا أو إصلاحيا. وها نحن نرى شخصيتين أزعجتا الحكم كله رغم أن موسوي ليس بصاحب الشعبية والكارزماتية النافذة، أيضا حليفه الشيخ كروبي. إذن، ما يحدث لنجاد تيار أكبر من موسوي وكروبي، تيار شبابي عارم لا يمكن إيقافه مهما وضعت من ضغوط على الرموز القيادية. لذلك ربما اختار نجاد تقديم التنازلات للشارع كاستراتيجيته الجديدة. فهو نصير المرأة، ومستعد للحوار مع الغرب ويفاخر بأنهم أرسلوا له رسالة يريدون مفاوضته، وتوقف عن كل خطاباته الحماسية بحرق إسرائيل وطرد الأميركيين ودعم الجماعات الخارجية، على الأقل حتى الآن.

[email protected]