أفغانستان: عود على بدء

TT

ما أن يتطور الحديث عن أفغانستان وأخبار تلك البلاد حتى تستغرق ذاكرتي في صدى ذلك السكون الموحش الذي عشته في ليل كابول خلال رحلة إليها في العام 1999. تمت تلك الزيارة خلال فترة حكم حركة طالبان والتي فرضت لائحة ممنوعات جعلت من المدينة ظلالا موحشة وصامتة خلال ساعات الليل.

عادت بي مخيلتي إلى تلك الرحلة وأنا أتابع الأخبار الواردة من أفغانستان التي تخوض انتخابات رئاسية هي الثانية في تاريخ البلاد. بدا وكأن السكون الذي شاب رحلتي قبل عقد غلّف علاقة الإعلام العالمي مع أفغانستان في مرحلة ما بعد الغزو الأميركي وإسقاط حركة طالبان في العام 2001. فبعد أن طغت مشاهد النساء الأفغانيات يخلعن البرقع الأزرق أو الشبان يحلقون لحاهم التي فرضتها طالبان والموسيقى التي عادت وصدحت. وبعد أن انتخب حميد كارزاي ليس فقط رئيسا للبلاد بل أيضا واحدا من «أيقونات» الموضة، عادت أخبار أفغانستان لتتدنى في سلم الاهتمامات الصحافية عالميا حتى كادت أن تختفي. عاد النسوة إلى ارتداء البرقع وكثير من الرجال أطلقوا لحى تتجاوز قبضة اليد وبهدوء عادت حركة طالبان لتعود رقما يصعب تجاوزه في المعادلة الأفغانية. لم تكن أحداث البلاد قليلة الأهمية أو ضعيفة لكن السكون كان مفروضا والهمّة في تغطية الحدث أفغاني أو متابعته كانت باردة إلى حدّ جعل البلاد وكأنها أقرب إلى السكون من الحراك.

يقول المبعوث الأميركي إلى أفغانستان وباكستان ريتشارد هولبروك إن من سيحدد شرعية الانتخابات الأفغانية هو الإعلام. هذا الأمر صحيح بالنسبة إلى الأفغان الذين يخوضون انتخابات تحت تهديد مباشر من حركة طالبان التي لم تجد صعوبة في طبع ولصق منشورات تحذر من المشاركة في الاقتراع. إلى أي مدى تمكن الإعلام من تقديم صورة فعلية إلى الرأي العام الذي يطرح تساؤلات أخلاقية حيال إعادة تبني ترشيح حميد قرضاي الذي يبدو جليا أن حكومته غارقة في فساد كبير. بل إن قرضاي لم يتوان عن محاولة إقرار قانون يبيح للزوج منع الطعام عن زوجته في حال عدم استجابتها إلى رغباته..

أيقظ الإعلام الخبر الأفغاني من سكونه وأعاد إليه حيوية في التغطية والتظهير لكن هل ستنحصر هذه الصحوة بخبر الانتخابات ونتائجها التي حتما ستفرز مستقبلا مختلفا لا يتفق الجميع على إيجابيته!

الخبر العراقي سيطر على الساحة وتسبب في التعمية على ما يجري في أفغانستان..

اليوم عادت أفغانستان إلى الواجهة. معظم وسائل الإعلام الغربية مكتوبة ومرئية تعيد رسم السيناريوهات المفترضة للنجاح وللفشل في أفغانستان. مجلة «FORIGN AFFAIRS» أعادت الاعتبار لمفاوضة طالبان وبعض الصحافة الأوروبية دعت إلى فصل مكافحة المخدرات عن مكافحة الإرهاب. استيقظ فجأة إقليم الحدود الباكستاني الأفغاني. الخطوة القادمة ستكون استئناف البحث عن أسامة بن لادن وأيمن الظواهري بعدما أصابهما الصدأ لكن مفتاح النجاح في المهمة المستجدة ما زال موضع خلاف.

الأكيد أن الإعلام واحد من عوامل النجاح والفشل.

diana@ asharqalawsat.com