ممنوع دخول الشعراء.. في المدينة الفاضلة

TT

كل الشعراء مجانين..

عبارة عاشت مئات السنين.. ولم يتوقف عندها إلا عدد قليل من علماء النفس والنقاد. فلا كل الشعراء مجانين ولا كل الروائيين ولا كل الفلاسفة.. وإنما بعض الشعراء و الأدباء والرسامين والفلاسفة.

وقد ارتبط الجنون بالعبقرية.. فكلمة (جني) بمعني عفريت هي نفس الكلمة في اللغات الأوروبية بمعني عبقري.. وعبقري كلمة منسوبة إلى وادي (عبقر) الذي يسكنه الجن وشياطين الشعر والفن..

والفيلسوف أفلاطون أقام مدينته الفاضلة.. أو مدينته المثالية: (يوتوبيا) ومنع دخول الشعراء.. لأنهم يخلقون وهما كبيرا ويجملونه لكي يصدقه الناس.. وهم بذلك دعاة الوهم والخرافة أعداء المنطق والواقع.. ولهذا السبب حرم عليهم الحياة في مدينته الفاضلة..

وقد أطلق الجنون على الشعراء لعالمهم الوهمي الجميل الذي يزينونه بالصور البديعة والموسيقى.. وبعض الشعراء أصابهم الجنون في أخر حياتهم.. وليس معنى ذلك أن كل الذي قالوه قبل الإصابة بالجنون كلام فارغ أو هلوسة.. وبعض الشعراء شنق نفسه كالشاعر الروماني لوكريشيوس.. طلب من زوجته أن تشنقه فرفضت فقام هو بهذه المهمة وهو يلعن المرأة قائلا: لا تريدني أن أعيش ولا أن أموت.. فماذا تريد؟!

والكاتب الساخر العظيم سويفت مؤلف مغامرات جيلفر أصيب بالجنون في أخر أيامه.. والشاعر الفرنسي دي نوفال شنق نفسه.. والأديب القصصي دى موبسان مات في مستشفي الأمراض العقلية.. والأديب الروسي جوجول أصابه الجنون سنوات قبل وفاته. وهو الذي قال: حياتنا صعبة معقدة ومن المستحيل ألا نكون مثل هذه الحياة.. فنحن نولد غفلاء ولا نزال نقاوم ونقاوم حتى ننهار مجانين.

وصاحب هذه العبارة ليس مجنونا عندما قالها، وإنما صار بعد ذلك! والأديب الانجليزي تشارلز لام (1775 ـ 1834) لم يفاجأ عندما علم أن أخته قد قتلت أمه. وبعد أن فرغت من التأكد من أنها ماتت تماما ذهبت إلى أخيها الشاعر الكبير ولم تقل شيئا ولا هو سألها، وإنما انتقل بقدميه إلى مستشفى الأمراض العقلية ومات هناك. وكتب في دفتر الزيارات في المستشفى: لم آت زائرا.. وإنما جئت مقيما. كنت مجنونا لا يدري عني أحد.. والآن صرت مجنونا لا أدري بأحد!