لعبة شد الحبال على انتخابات الرئاسة في أفغانستان

TT

الهند تريد أن يفوز حامد كارزاي من الدورة الأولى، أميركا لا تريده أن يفوز من الدورة الأولى بعدما دللته ثماني سنوات وأنفقت مبلغ 38 مليار دولار لإعادة بناء أفغانستان، تبخر أغلبه، وزاد انتشار «طالبان» في أغلب المناطق الأفغانية.

قراءة متأنية للسلسلة التي نشرتها في الأيام الأخيرة صحيفة «الغارديان» البريطانية عن الوضع في أفغانستان، تكشف أن أغلب الأهالي يتعاطفون مع «طالبان»، فهم جزء منهم ويوفرون لهم (طالبان) كل شيء، ولو كان هذا الـ«كل شيء» ضئيلاً. لأن الحكومة بعيدة في كابول التي يتطلع «طالبان» للوصول إليها قريباً!

حامد كارزاي لم يتردد في فعل «كل شيء» من أجل تأمين إعادة انتخابه ومن الدورة الأولى.

الخميس الماضي في 13 الجاري، صادق على القانون الذي يسمح للرجال الشيعة بحرمان زوجاتهم من الطعام، إذا ما رفضن طلبات أزواجهن الجنسية مرة كل أربعة أيام، مع تهديد الأم بأن الأولاد يبقون مع آبائهم أو أجدادهم لآبائهم إذا ما كررت الرفض. كما أن القانون يفرض على المرأة أن تأخذ الإذن من زوجها للعمل.

زوجة كارزاي طبيبة، وكان الأجدر به أن يستشيرها عن طبيعة المرأة قبل أن يسعى من أجل الحصول على حفنة من أصوات بعض الرجال، فيقضي بـ«قانون» على أبسط حقوق المرأة.

لم يكتف كارزاي بذلك، بل قبل هذا القانون ومن أجل كسب تأييد بعض زعماء القبائل النافذين، أفرج عن مجموعات من مهربي المخدرات من السجون، وبينهم من اغتصب إحدى النساء أمام زوجها!

وفي شهر أيار (مايو) الماضي توصل إلى اتفاق مع القائد العسكري الاوزبكي عبد الرشيد دوستم، الذي كان منفياً في تركيا منذ سنة، وهرب إليها بعد خلافه مع حليف سابق له «محمد اكبر باي»، أدى بدخول باي إلى المستشفى مصاباً بجروح خطيرة.

أما خلال الهجوم الأميركي على أفغانستان فلم يتردد دوستم في قتل الآلاف من المناوئين له، بعضهم قضى اختناقاً في شاحنات ظلت مغلقة.

كارزاي تجاوز كل ماضي دوستم الذي حصل على تأييد 10% من الناخبين في انتخابات عام 2004، ثم أن مؤيديه هددوا بسحب دعمهم لكارزاي إذا لم يسمح لدوستم بالعودة إلى البلاد.

يوم الأحد الماضي عاد دوستم، ومعه انتعشت آمال كارزاي باحتمال أن يحصل على أصوات مليون أوزبكي. ويوم الاثنين الماضي وفي مهرجان لدعم كارزاي، انشد له صبية صغار: «ملكنا راجع»، أما هو فخطب قائلاً: «علينا أن نذهب إلى المستقبل مع كارزاي. يجب ألا نسمح بدورة ثانية».

الاتفاق بينه وبين كارزاي يتيح له فرصة القيام بدور أساسي في الإدارة المقبلة. رغم اعتراض الغرب حتى على اسم دوستم.

لكن، تردد أن حزب دوستم «جنبيش ميللي» انقسم على نفسه، وأعلن كبار المسؤولين فيه تأييدهم لمنافس كارزاي، وزير الخارجية السابق عبد الله عبد لله.

في الواقع، كان لدعم كارزاي ثمن. وتسلم جناح من أجنحة حزب دوستم مبلغاً كبيراً من المال من المسؤولين عن حملة كارزاي، لكن هذا المال لم يُوزع مما دفع الجناح الآخر في الحزب إلى البحث عن «ممول» لأصواتهم.

احمد والي كارزاي، أخ الرئيس يدير حملته ويوزع أموال الدعم وقد يكون العلامة الأكثر سواداً في سمعة الرئيس، يتصرف في أفغانستان وكأنها ملكه، يوزع أراضي ومناصب على الأصدقاء والحلفاء، كما انه متورط في تجارة المخدرات. ولإكمال «مسرحية» إيصال أخيه إلى سدة الرئاسة مجدداً، رغم السمعة السيئة التي تحيط بأحمد والي، ذكرت صحيفة «الاوبزرفر» يوم الأحد الماضي، انه في احد تجمعات كبار رجال القبائل قال انه مستعد «أن يركع ويطلب الغفران من أي شخص شعر أن احمد والي ظلمه».

العارفون يقولون إن انقسام حزب دوستم ليس أكثر من تكتيك من قبله، على أساس انه إذا فاز كارزاي أو عبد الله، فإن للحزب حصته.

ودوستم مشهور بعدم وفائه، لا يؤمن بالمبادئ، غيّر مواقعه عدة مرات في السابق. كان قائداً عسكرياً في حكومة محمد نجيب الله الذي قتله «طالبان» عام 1996 رغم انه كان في حماية الأمم المتحدة، هجره دوستم في اللحظة الأخيرة ليقف إلى جانب المجاهدين. ثم كرت سلسلة تبديل المواقف حسب الظروف. ولن يكون كارزاي مطمئناً، إذا فاز، بأن دوستم سيبقى إلى جانبه، خصوصاً إذا لم تنجح محاولات المصالحة الوطنية مع «طالبان» لاحقاً، كما تأمل الولايات المتحدة.

من جهتهم، «طالبان» لا يحبذون فوز كارزاي، فهو من الباشتون مثلهم، بل يفضلون فوز عبد الله المولود في قندهار إنما هو من الشمال، لأن فوز عبد الله يساعدهم على تحريض مشاعر الجنوبيين حيث الأغلبية من «الباشتون»، بأن شمالياً يحكمهم، وهذا بالعرف القبلي غير مقبول، الأمر الذي يجعل دعوة «طالبان» أكثر إنصاتا وتجاوباً.

حاول عبد الله في احد مهرجاناته الانتخابية كسب ود أبناء قندهار، على أساس أن والده يتحدر من هناك، لكن الأمن الذي رافقه أكد أن الجنوب ينظر إليه على انه طاجيكي وان قاعدته في الشمال بين الطاجيك والهزارا والى حد ما الاوزبيك.

لكن مقابل الصفقات التي أقدم عليها كارزاي فإن المرشحين الأساسيين ضده عبد الله عبد الله ووزير ماليته السابق اشرف غاني يحاولان أيضا تشتيت الأصوات التي يعتمد عليها كارزاي للحصول على 51% الأمر الذي يوفر عليه، مواصلة الحملة الرئاسية حتى نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) للخضوع لدورة ثانية، إذ في هذه الأثناء يمكن لعمليات «طالبان» أن تنضج أكثر، فهي لم تعد عشوائية بل مدروسة أكثر وتعتمد على المعادلة الصينية القائلة: «عندما يتقدم عدوك، تراجع، عندما يتوقف ناوشه، عندما يتعب شن هجماتك، وعندما يتراجع لاحقه». وعندها قد تتطور الأحداث بحيث تلغى الانتخابات نهائياً.

لو كانت أفغانستان مستقرة، فإن اشرف غاني هو الأفضل لرئاستها وأخذها إلى المستقبل، اذ كان مسؤولاً في البنك الدولي، إضافة إلى انه ارستقراطي مثقف يتحدر من إحدى اكبر قبائل الباشتون. جده جاء بالملك محمد نادر شاه (والد الملك ظاهر شاه) إلى السلطة بداية القرن الماضي. أخوه هشمت غاني رئيس اكبر مجلس قبائلي ويمثل تقريباً ربع سكان أفغانستان، عبر منصبه.

من المؤكد أن خوض غاني الانتخابات سيقسم أصوات «الباشتون» الذين يمثلون 45% من سكان أفغانستان.

أما عبد الله عبد الله الذي كان أيضا احد مساعدي «أسد بنشهير» احمد شاه مسعود (قتله مغربيان من «القاعدة»)، فإنه هو الآخر سيقسّم أصوات «التحالف الشمالي» الذي كان كارزاي يأمل في كسبها بتعيينه نائبين للرئيس، من التحالف: محمد فهيم وكريم خليلي.

ويُذكر أن عبد الله كان أول من اقترح اسم حامد كرزاي كرئيس انتقالي في مؤتمر بون في كانون الأول (ديسمبر) عام 2001، وأخيرا اقترح انه سيعين غاني رئيساً للوزراء إذا ما وصل هو إلى سدة الرئاسة، كارزاي عرض العرض نفسه على غاني، لكن الأخير رفضه بشكل قاطع.

غاني وعبد الله لا يعترضان على المصالحة مع «طالبان»، عكس نائبي كارزاي، فهيم وخليلي غير المقتنعين بوجود «طالبان» معتدلين، ثم أنهما مقربان من روسيا وإيران وهذا ما يثير قلق واشنطن التي لا تستطيع أن تتحمل عودة النفوذ الروسي والإيراني إلى كابول، خصوصاً أن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أشار يوم الجمعة الماضي في مؤتمر صحافي إلى أن الولايات المتحدة تستعد لزيادة عدد قواتها في أفغانستان، وانه في انتظار إجراء «مفاوضات مكثفة» مع الحكومة الأفغانية الجديدة لتتأكد بأن الشعب الأفغاني لا يرفض «ضخامة» عدد قواتنا! (تردد أن عدد القوات الأميركية في أفغانستان سيصل إلى 100 ألف).

ربما سيفوز كارزاي من الدورة الأولى، لكن هذا لا يعني أن الاستقرار سيعم أفغانستان، التخوف ليس فقط من «طالبان»، بل أن مجموعة عبد الله هددت بتحريك وضع يشبه الوضع في إيران بعد الانتخابات إذا ما فاز كارزاي من الدورة الأولى. فإذا تفجر العنف فإن قوات الأمن الأفغانية التي يسيطر عليها «الطاجيك» قد تضطر إلى التدخل، ليتفجر الوضع أكثر.

بعد ثماني سنوات من التدخل الأميركي والغربي في أفغانستان، برزت طبقة من الشباب المثقف إنما الرافض لأسلوب حكم يعتمد على دعم القبائل، لكن عاد «طالبان» يتمتعون بقوة ودعم، أما الجسد السياسي الأفغاني فإنه منقسم إثنياً وقبلياً. وكل قضية سياسية الآن تأخذ طابعاً إثنياً. وسط كل هذا يبررون في أفغانستان مسألة الفساد المتفشي، بأنه ينمو بسبب الحروب!