هل يضحك علينا أوباما؟

TT

يقول أندرو كارد، رئيس الموظفين السابق في إدارة بوش، وهو يقدم نصيحة لخلفائه في مقابلة تليفزيونية في الأسبوع الماضي: «إن شهر أغسطس (آب) فترة صعبة أمام الرئيس. وأعتقد أن عليك توقع حدوث ما هو غير متوقع».

يجب أن يعرف ذلك. تمر يوم الخميس الذكرى الثامنة «لقرار بن لادن الهجوم على الولايات المتحدة»، إنه التقرير اليومي الرئاسي الذي تجاهله رئيسه وهو يمضي إجازته في كراوفورد. وتحل يوم 29 أغسطس (آب) الذكرى الرابعة لإعصار كاترينا على ساحل لويزيانا، الذي تجاهله رئيسه أيضا في أثناء إجازته في كراوفورد.

وكذلك يفعل الرئيس أوباما.

وفي الوقت الذي ننتظر فيه وقوع كارثة غير متوقعة، تبدو توقعات واشنطن بالنسبة إلى البيت الأبيض الحالي مظلمة. وتقترب شعبية أوباما في استطلاعات الرأي من الهبوط الكبير، كما يقال لنا. وإذا فشل في مشروع الرعاية الصحية، فهو في ورطة. وفي الحقيقة، الكثير من المتحدثين الذين يشيرون إلى الفترة القاتلة في رئاسة أوباما هم ذاتهم الأشخاص الذين توقعوا في أغسطس (آب) عام 2008 خسارته يوم الانتخابات لأنه لم يتمكن من «إنهاء الصفقة» ويتخطَّ حاجز الـ50 في المائة في حملته أمام جون ماكين.

وها هما توقعان ليسا شديدَي الجرأة: سينتهي أوباما من برنامج إصلاح الرعاية الصحية، ولن تهبط شعبية أوباما في استطلاعات الرأي في أي مرحلة قريبة.

ولكن هناك سببا حقيقيا للقلق على المدى البعيد، وهو في صورة اتجاه ملحّ تجاه الإصابة بخيبة الأمل بين بعض من مؤيدي الرئيس. وليس فقط هؤلاء من اليسار. وربما عبرت إحدى الناخبات التي رشحت أوباما عن ذلك القلق بأفضل ما يكون، وهي وكيلة عقارات من فيرجينيا، على الصفحة الأولى من واشنطن بوست في الأسبوع الماضي. وقالت: «لم يتغير شيء للرجل العادي. وأشعر أنه سخر منا». وذكرت مليارات الدولارات التي مُنحت في خطة الإنقاذ لمصارف ما زالت «تتصرف كأنها مفلسة».

ولكن لا تتعلق تلك الحالة المزاجية بالمصارف فقط، وهي عدو البلاد الأول. ولكن تبلورت حالة الركود الكبيرة في مرض أكبر تطرق له أوباما في أثناء حملته الانتخابية. إنه الشعور المقبض بأن اللعبة الأميركية زائفة، وأن النظام، كما قال الرئيس تحديدا بعد شهر من تنصيبه، خاضع لـ«مصالح جماعات الضغط القوية أو القلة الثرية» التي كانت «تدير واشنطن منذ مدة بعيدة». وقد وعد بإبعادهم جميعا.

لا يوجد رئيس يمكنه فعل ذلك وحده، ناهيك عن فعل ذلك في غضون ستة أشهر. ولكي يكون هدف أوباما أكثر خيالا، فإن المرض الذي شخصه أكبر بكثير من واشنطن وهو غالبا يتجاوز مجال السياسة. وما يزعج الأميركيين من بين جميع القناعات الآيدولوجية هو الخوف من أن كل شيء تقريبا، لا الحكومة فقط، تديره أو تستغله يد خفية قوية، بداية من الصفقات التجارية، حتى التافهة منها مثل بيع التذاكر المميزة في الحفلات، وحتى القوى الثقافية المؤثرة مثل وسائل الإعلام.

إنه الشك الذي يتأكد يوميا تقريبا من خلال الأحداث. وفي الأسبوع الماضي، كتب بريان ستيلتر من «التايمز» أن رؤساء شركتي «MSNBC» و«فوكس نيوز»، وجيفري إميلت من «جنرال إلكتريك» وروبرت مردوخ من «نيوز كوربوريشن»، وفوضوا نوابهم للتوسط في ما سماه متحدث باسم «جنرال إليكتريك» «مستوى جديدا من الكياسة» بين نجمَي قنوات الكابل لديهم، كيث أولبرمان وبيل أوريلي. وأكد المتحدث باسم قناة «فوكس» لهوارد كيرتز من «البوست» على أنه «كان هناك اتفاق» على مستوى الشركات على الأقل. وقال أولبرمان إنه يؤيد «عدم عقد صفقات»، وفي أي مناسبة كان يبدو كأن الهدنة المؤقتة انتهت بعد نشر مقال «التايمز». ولكن كل ذلك عزز من الشكوك المشروعة من اليمين واليسار على حد سواء لدرجة أن أعلى أصواتهم العامة من الممكن إسكاتها إذا اقتضت المصالح التجارية للنخبة الأميركية الحقيقية ذلك. وقد تتعجب مما إذا كانت الشبكات قد تتخلص من الوسطاء، مذيعي البرامج، وتضع أفرادا من جماعات الضغط والدعاية متخفين على الهواء من أجل تقديم نشرات الأخبار. وفي الحقيقة، لقد حدث ذلك بالفعل. وأشهر مثال سيئ على ذلك هو مجموعة من ضباط الجيش المتقاعدين الذين عملوا «محللين إخباريين» في التليفزيون في أثناء حرب العراق وفي الوقت ذاته كانوا يمارسون الضغط في سرية من أجل مقاولي الدفاع المتحمسين لبيع بضاعتهم المكلفة في البنتاغون.

ولم يُنهِ الكشف عن تلك الفضيحة تلك الممارسات. وفي الأسبوع الماضي، كان على «MSNBC» الاعتذار للاستعانة بكاتب «نيوزويك» السابق ريتشارد وولفي مذيعا بديلا لأولبرمان دون ذكر وظيفته الجديدة وكيلا للدعاية في إحدى الشركات. ربما كان وولفي سيستمر في العمل مذيعا على «MSNBC» إذا لم يُشِر المدون غلين غرينوالد إلى عمله الصباحي. وقد أكدت «MSNBC» على مشاهديها بأنه لا يوجد تضارب في المصالح، ولكن يجب أن يكون ذلك محل ثقة، حيث إننا ما زلنا لا تعرف العملاء الذين يمثلهم وولفي ككبير الخبراء الاستراتيجيين في شركته «بابليك ستراتيجيز»، التي يرأسها تنفيذيا دان براتليت، أحد كبار مستشاري البيت الأبيض السابق تحت رئاسة بوش.

ودعونا نفترض أن عملاء وولفي ليس بينهم مصالح شركات تتعرض ملياراتها للخطر في «MSNBC» وقضية الساعة في واشنطن، الخلاف حول الرعاية الصحية. وإذا كان الأمر كذلك، فهو تقريبا اللاعب الوحيد في ثقافة الشركات والسياسية الذي لم يركب ذلك القطار.

وكما أشار الديمقراطيون، فإن الجماهير الغاضبة التي تسبب الإزعاج للاجتماعات التي يعقدها أعضاء الكونغرس ليسوا دائما من المواطنين العاديين، ولكن وكلاء لجماعات الضغط من أجل الشركات. وإحدى الجمعيات التي تسهل خدمات الجماهير الغاصبة هي «فريدم ووركس»، التي يديرها عضو الكونغرس السابق ديك آرمي، الذي أصبح حاليا من العاملين في جماعات الضغط في شركة «دي إل إيه بيبر للمحاماة». وقد دفعت شركة «ميديسنز العالمية للصناعات الدوائية» لشركة «دي إل إيه بيبر» ما يزيد على ستة ملايين دولار في أتعاب لممارسة الضغط في الأعوام الخمسة التي عمل فيها آرمي هناك.

ولكن لا يستطيع الأعضاء الديمقراطيون في الكونغرس الذين يهاجمهم هؤلاء المزعجون الادعاء بأنهم على أساس أخلاقي أرفع. فإن صلاتهم بالمصالح المتعلقة بالرعاية الصحية أكثر سرية وخطورة. وكما ذكر تقرير الكونغرس ربع السنوي في الأسبوع الماضي، فإن مجموعات الصناعة أسهمت بنحو 1.8 مليون دولار في الأشهر الستة الأولى من عام 2009 فقط لأعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 18 عضوا من كلا الحزبين المشرفين على برنامج إصلاح الرعاية الصحية، ومن بينهم نانسي بيلوسي وستيني هوير.

ثم هناك 52 عضوا ديمقراطيا محافظا، أصيبوا بالإحباط للاختيار العام للتأمين الصحي. ويفوق ما حصلوا عليه نقدا من شركات التأمين وشركات الأدوية ما حصل عليه نظراؤهم الديمقراطيون بنسبة تبلغ في المتوسط 25 في المائة، وفقا لما ذكرته «البوست». ودعونا لا ننسَ لجنة الحملة الانتخابية لمجلس الشيوخ، التي جمعت نحو 500 ألف دولار من مستشفى واحد يملكه طبيب في ماكالين بتكساس، وذلك ما ذكره أوباما تحديدا كمثال على التهرب من التكاليف الطبية منذ النشر عنه في «ذا نيويوركر» في الربيع الماضي.

وفي تلك المتاهة من المصالح الممولة القوية، ليس من الواضح من الذي يجب أو يمكن لأي أميركي أن يقف إلى جانبه من أي من الحزبين. وتتلخص الطبيعة التي تجمع بين الحزبين في ذلك الوحش في التقدم الملحوظ الذي أحرزه بيلي تاوزين، عضو الكونغرس السابق عن لويزيانا. كان تاوزين عضوا مؤسسا في جمـاعة الديمقراطيين المحافظين عام 1994. وبعد عام انفصل عنهم وانضم إلى الجمهوريين. وحاليا هو رئيس شركة «فارما» (PhRMA)، أكبر شركة لتجارة الأدوية. وفي أثناء الحملة الانتخابية عام 2008 أذاع أوباما إعلانا تليفزيونيا يشهّر بتاوزين لدوره في منع برنامج الرعاية الصحية من التفاوض من أجل خفض أسعار الأدوية. وفي الأسبوع الماضي نشرت «لوس أنجليس تايمز»، وأكدت «نيويورك تايمز»، أن تاوزين، وهو لاعب نشط في مفاوضات الرعاية الصحية في البيت الأبيض، قام بتغيير موقفه خلف الأبواب المغلقة، ممارسا الضغط على الإدارة من أجل استمرار الحفاظ على أسعار الدواء. وحاليا، نعرف لماذا تهرب الرئيس من تعهده الانتخابي بإذاعة مثل تلك المفاوضات على شبكة «سي ـ سبان» المخصصة لتغطية اجتماعات الحكومة.

إن صناعة القرار التشريعي ليست أمرا سهلا مطلقا، وينبغي على البيت الأبيض أن يعطي كي يحصل على ما يريد. ولكن الشك الذي يساور الناخبين له مبرره. وعلى النقيض من هيلاري كلينتون، التي كان كبير المخططين الاستراتيجيين في حملتها الانتخابية الرئاسية يعمل أيضا وكيلا للدعاية في إحدى الشركات الكبرى دون اعتذار، وعد أوباما بالتغيير الذي يمكننا أن نثق به فعليا.

وكانت أول خطوة مثيرة للتساؤل بعد الفوز في الانتخابات هي تكوين نادٍ من الرجال القدامي من تلاميذ روبرت روبين والعاملين السابقين في «غولدمان» و«سيتي» ليكونوا الفريق الاقتصادي في البيت الأبيض، ومن بينهم وزير الخزانة تيموثي غيتنر، الذي فشل في دوره الرقابي في مصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك في الوقت الذي تضخمت فيه أحدث فقاعات وول ستريت ثم انفجرت. ولم تنتهِ التساؤلات حول دور غيتنر في منح أموال إنقاذ متتالية، وكذلك الشعور العام الغاضب. وقد علمنا أن تسعة من المصارف التي حصلت على أموال خطة الإنقاذ، والتي حصلت في الإجمالي على 175 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب، ولكنها سددت 50 مليار دولار فقط، تمنح مبالغ مجموعها 32.6 مليار دولار كمكافآت لعام 2009.

وفي ذلك السياق، لا يستطيع أوباما أن يتحمل هزيمة في مشروع الرعاية الصحية. وسيمر مشروع القانون في الكونغرس الذي يسيطر عليه الديمقراطيون. والمهم هو ما يدور فيه. والنتيجة النهائية هي أشعة مقطعية لتلك المصالح القوية في واشنطن التي خاض حملته ضدها، لتكشف لنا عن الأجزاء التي تم استئصالها من الجسد السياسي (أو على الأقل الحد منها) وتلك التي تستمر في التفشي. وقد تقدم خطة إصلاح تنظيم وول ستريت التي يدفع أوباما من أجل تنفيذها، أو لا يدفع، حكما على نجاحه في تغيير النظام الذي سعى إلى البيت الأبيض من أجل إصلاحه.

وتظل أفضل الأخبار السياسية للرئيس هي المتعلقة بالجمهوريين. إنها مقياس لدرجة ابتعاد قادة الحزب الجمهوري أمثال ميتش ماكونيل وجون بوهنر، حيث يحاولون تخويف الناخبين بوصف أوباما بالاشتراكي. ولكنهم يعكسون الأمر. فالخوف الأكبر هو أن أوباما قد يكون مجرد رأسمالي آخر، يضحك على الناخبين كما يفعل الجمهوريون عندما يدّعون أنهم جميعا يعملون لصالح الرجل العادي. وعلى أي حال، يعد أكثر حدث غير متوقع، والأكثر صعوبة، الذي من الممكن أن يهز أرجاء البيت الأبيض في أغسطس (آب) الحالي هو أن تستيقظ المعارضة بالفعل.

* خدمة «نيويورك تايمز»