وداعا خالد..

TT

منذ أيام ودع مجتمع الأعمال العربي رجل الأعمال السعودي الكبير خالد بن محفوظ، الذي وافته المنية بعد أزمة قلبية حادة لم تمهل قلبه الضعيف كثيرا، ففارق الحياة بعد إدخاله المستشفى بساعات غير طويلة.

كان شخصية مركبة وغير بسيطة، عاش حياة غنية وكان يتمتع بذكاء حاد ورؤية استثنائية مكنته من تبوؤ مكانة فريدة ومهمة ومميزة.

لعل الناس سيذكرونه بشكل رئيسي كمصرفي لامع ومؤثر خلال ترؤسه للبنك الأهلي التجاري، أكبر وأهم المصارف العربية، ولكنهم إذا ركزوا على ذلك فقط فهم يغطون نصف الحقيقة، لأن الرجل كان لديه استثمارات عابرة للحدود و«أوجد» رجال أعمال كبارا عبر إدخالهم في شراكات معه أثمرت كيانات عملاقة في مجالات الطب والسيارات والنفط والتطوير العقاري والمقاولات والاستثمار المتنوع، والأمثلة كثيرة ومعروفة.

تعرض لسلسلة من الاتهامات الكيدية الخطيرة ودافع عن نفسه بضراوة وببسالة، لعل أهمها «معاركه» ضد تبعات انهيار مصرف الاعتماد والتجارة، وكذلك التهم بتمويل الإرهاب التي نشرها صحافي غربي في كتاب، وحصل الراحل على حكم قضائي قاطع ونافذ أجبر الكاتب على التراجع والاعتذار.

كان محبا للخير وكريم النفس، يقدم على المساعدة إذا ما طلب منه ذلك بشكل سخي وغزير، ومساندته للعديد من الجمعيات الخيرية والمشاريع التي تصب في هذا الاتجاه ليست بسرّ، ومعروفة لأعداد غير بسيطة من المسؤولين والعامة.

رأيته آخر مرة منذ فترة في صلاة الجمعة بمسجد الحي، وكان صامتا هادئا شارد الذهن باديا عليه الضعف والوهن. تبادلت معه التحية واسترجعت بالذاكرة الأمجاد التي عاشها هذا الرجل وساهم في صناعتها بمهارة ومغامرة وشجاعة، وراقبت كيف آثر الوحدة والهدوء في أيامه الأخيرة، تحيطه هالة من الغموض وعلامات الاستفهام لأسئلة كثيرة بقيت بلا جواب حتى اللحظة، تحاول فهم ما الذي حدث لهذا الرجل تحديدا. هو الآن في دار الحق، لحق بأخيه محمد وقبله والده سالم، وهم الثلاثي الذين ساهموا في إرساء القواعد لأهم مصرف تجاري في العالم العربي اليوم.

خالد بن محفوظ ترك بصمة شخصية مع الذين تعاملوا معه، وإن كان البعض يحتار من قراراته وتصرفاته ورؤيته أحيانا لأنها قد تبدو غير مفهومة، إلا أنه كان لا يتعب من المحاولة والمثابرة والخطأ وإعادة التجربة من جديد.

لو كتبت حياة هذا الرجل لكانت مليئة بفصول مثيرة وغريبة ومهمة، فهو كان شاهدا على كم هائل من الأحداث ومن الشخصيات ومن المناسبات التي صنعت التاريخ وغيرت أحداثه.

فقد مجتمع الأعمال العربي عموما والسعودي منه تحديدا قامة كبيرة جدا بوفاة خالد بن محفوظ، وهو بحاجة أن يأخذ حقه من التقدير والتكريم الحقيقي بعد سنوات من الظل والانزواء.

رحم الله خالد بن محفوظ رحمة واسعة وأسكنه الله فسيح جناته، وألهم أهله الصبر والسلوان.

[email protected]