وماذا عن الدور الفرنسي؟

TT

جاءت زيارة الدولة التي أجراها الرئيس السوري بشار الأسد إلى إيران في ظروف إيرانية داخلية استثنائية وأوضاع إقليمية لا تبشر بحلحلة على صعيد الملف النووي الإيراني ولا باختراق أمريكي يذكر على صعيد عملية السلام في الشرق الأوسط.

رغم ذلك أتت الزيارة في أعقاب اختبار فرنسي ناجح لما يمكن اعتباره «كلمة» الأسد لدى طهران، وهي كلمة أظهرت وساطته في موضوع الرهينة الفرنسية كلوتيلد ريس أنها «مسموعة».

وبعد أن أكدت باريس أن مشاورات الإفراج المشروط عن الرهينة الفرنسية في إيران مرت باتصالات مباشرة بين الرئيسين نيكولا ساركوزي وبشار الأسد، وبعد أن وجد الرئيس الفرنسي في الرئيس السوري وسيطا قيما مع إيران.. يجوز التساؤل عما إذا كان ممكنا استثمار هذا المناخ الإيجابي في العلاقة السورية ـ الفرنسية على صعيدين آخرين هما: الحوار الغربي ـ الإيراني حيال ملف طهران النووي (والولايات المتحدة تنتظره قبل نهاية سبتمبر المقبل)، والانفتاح الغربي، وتحديدا الأمريكي، على سورية.. وعبرها على العملية السلمية التي تبدو وكأنها تراوح مكانها بعد «زحمة» الزيارات الأمريكية الرسمية إلى إسرائيل التي هبت دفعة واحدة وتوقفت فجأة.

فرنسا قد تكون مطالبة اليوم بدور شرق أوسطي تزداد الحاجة إليه بعد إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، رفضه للوساطة التركية مع سورية ومطالبته بمفاوضات مباشرة معها.

وإذا كان لا بد من دور خارجي في تحريك عملية السلام العربي ـ الإسرائيلي، فقد تكون فرنسا أجدر من روسيا، مثلا، بلعب هذا الدور بالنظر للعلاقة التاريخية التي تربطها بسورية ولبنان، ومعرفتها الوثيقة بشؤون الدولتين وشجونهما منذ أن كانت السلطة المنتدبة عليهما.

هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال إقصاء روسيا ـ الدولة الكبرى التي تحضّر فعليا لمؤتمر سلام ـ عن العملية السلمية بقدر ما يعني توظيف «العلاقة» الفرنسية ـ الأمريكية الأوثق مع إدارة باراك أوباما في تفعيل عملية التقارب الأمريكي ـ السوري الخجولة، بالاتجاهين، كمقدمة ثمينة لمؤتمر السلام الروسي المرتقب.

وفي وقت تصطدم فيه مبادرة السلام الأمريكية بتعنت الحكومة الليكودية في تل أبيب ومناورات اللوبي الصهيوني في واشنطن، بدأ يتضح أن الإدارة الأمريكية لا تملك سياسة شرق أوسطية محددة المعالم للمستقبل القريب بقدر ما تملك آلية تعامل مع أزمات المنطقة قوامها الحوار أولا.. بدءا بأزمة الملف النووي الإيراني وانتهاء بالنزاع العربي ـ الإسرائيلي الذي لم تتجاوز بعد رؤيتها لحله طرح إدارة جورج بوش «للدولتين» المتعايشتين بسلام.

على هذه الخلفية يأخذ أي دور توفيقي تلعبه فرنسا بين الولايات المتحدة وسورية أهمية استراتيجية يصح البناء عليها لتحقيق تقدم جدي على صعيد العملية السلمية، خصوصا إذا اقترن هذا الدور بدعم الاتحاد الأوروبي له وأخذ في الاعتبار ليس المعطيات الراهنة للمنطقة فحسب، بل التوقعات المستقبلية لعالم عربي ترفض أجياله الطالعة أن يظل مهمشا إلى أبد الآبدين.

وغني عن التذكير، في هذا السياق، أنه منذ أن أطلقت في الخمسينات مقولة أن «لا حرب مع إسرائيل دون مصر ولا سلام دون سورية» والخلل الأبرز في الطروحات المحبطة لسلام الشرق الأوسط كان غياب ـ والأصح تغييب ـ سورية عنها. وهذا التغييب، الذي بلغ حد العزل في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، جعل من تمسك سورية بدورها الإقليمي قضية سياسية بحد ذاتها لم تقصر الدبلوماسية السورية في التأكيد عليه بمناسبة زيارة أي مسؤول كبير لدمشق. ورغم أن تأكيد دمشق لهذا الدور اتخذ منحى مجحفا بحق لبنان إبان «الوجود» العسكري السوري على أراضيه، ومنحى تقسيميا للصف الفلسطيني انعكس سلبا على وحدة المقاومة، فإن رسالته لم تعد خافية على أحد: سورية حجر الرحى في أي تسوية سلمية لنزاع الشرق الأوسط.. إذا قدر لهذه التسوية أن تكون قابلة للحياة.