إيران والصراع حول السلطة الاقتصادية

TT

يصف بعض المعلقين الصراع على السلطة في إيران بأنه صراع بين جمهور من الفقراء يتزعمه محمود أحمدي نجاد ذو الشعبية الواسعة، وبين أهل طهران من «الأغنياء والنافذين» الذين يتزعمهم مير حسين موسوي.

هذه هي النغمة التي كان يرددها الرئيس أحمدي نجاد خلال مراسم أدائه لليمين الرئاسية للولاية الثانية؛ حيث أعلن الحرب على «الأرستقراطية ذات الثروة» وتعهد «باجتثاث عناصر الفساد».

وفي الاتجاه المخالف، يصف بعض المنتقدين لنظام الخميني أحمدي نجاد بأنه قائد لمجموعة ستالينية عازمة على منع إيران من تحرير اقتصادها، ويمتدحون موسوي باعتباره الإصلاحي المساند لحرية السوق.

وكحال كل الأمور المتعلقة بإيران، فليست الأشياء بهذه البساطة؛ فالمعركة ليست بين الحزبين اللذين يؤيد أحدهما سيطرة الدول ويؤيد الآخر حرية السوق، فقد وعد كل من أحمدي نجاد وموسوي بخصخصة قطاع واسع من الاقتصاد؛ وبالتالي تضاءلت الفجوة بينهما، فمن الذي سيستفيد إذن من ذلك التغيير؟

يريد موسوي الذي يدعمه الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني، والذي يقال إنه من أثرى أثرياء إيران، أن تستفيد شبكة من رجال الأعمال ـ الملالي وشركائهم في السوق من ذلك التغيير، وربما يكون ذلك استمرارا لسياسة سنها الرئيس السابق محمد خاتمي مع بداية عمليات الخصخصة في 2004.

ولكن أحمدي نجاد عازم على محاربة تحالف رجال الأعمال ـ الملالي والذي يصفه بأنه «مافيا سوداء»، بل إنه هدد بأن يجعل هؤلاء القادة يمثلون أمام العدالة.

على أي حال، فذلك لا يعني أن أحمدي نجاد يرغب في خلق قطاع خاص أصيل، أو في إعطاء جمهور الفقراء صفقة أكثر عدلا؛ فهو يرغب في أن تذهب قطاعات الدولة إلى مافيا مالية جديدة تتكون من المسؤولين في الحرس الثوري، وشركائهم في مجال المال والأعمال.

وقد بدأ أحمدي نجاد خطته للخصخصة في عام 2006، مع تعديل المادة 44 من دستور الجمهورية الإسلامية التي كانت تشترط أن تظل «القطاعات الاستراتيجية» من الاقتصاد خاضعة لإدارة الدولة. ووفقا لذلك التعديل، فسوف تستبدل ملكية الدولة لتلك القطاعات بـ«التوجيه والرقابة» فقط.

وخلال مدته الرئاسية الأولى، خصخص أحمدي نجاد بعض المشروعات التي تمتلكها الدولة والتي تبلغ قيمتها نحو 17 مليار دولار أميركي. ومن المتوقع كذلك خصخصة بعض شركات القطاع العام التي تقدر بنحو 12 مليار دولار أميركي. وفي حالة فوز موسوي في الانتخابات، كانت تلك المكاسب ستذهب إلى الملالي وتجار السوق، ولكنها ستذهب إلى الحرس الثوري وشركائهم بعد فوز أحمدي نجاد في الانتخابات.

وتجسد خصخصة خدمات البريد ـ وهي إحدى البقرات المقدسة للاقتصاد الإيراني ـ عزم أحمدي نجاد على تقليص حجم القطاع العام، كما تم تخصيص مصرفين من المصارف المملوكة للدولة، وعرض الثالث 6% من أسهمه للبيع العام.

ولكي يثبت أنه لم يستثن «جواهر التاج»، فقد باعت الدولة 5% بالفعل من أسهمها في أعمال الحديد الضخمة في «مباراكي» بالقرب من أصفهان. وهناك خطط لتقسيم أنشطة «شركة النفط الإيرانية القومية»، وهي كبرى شركات النفط في ظل عمليات الخصخصة، إلى 23 شركة صغرى يتم بيع معظمها إلى القطاع الخاص بهدف خصخصة حوالي 80% من الصناعات التي تمتلكها الدولة بنهاية عام 2010.

كما اتخذ أحمدي نجاد ذو الشعبية المزعومة ـ والذي يراه العمال الفقراء بطلا ـ أكثر الإجراءات صرامة ومعاداة للعمال في تاريخ الجمهورية الإسلامية؛ فقد أبطل شرط الحد الأدنى للأجور، ومنح أصحاب العمل صلاحيات واسعة يستطيعون بمقتضاها تعيين وصرف العمال متى يشاءون. ووفقا لمنظمات العمال، ومجلس التنسيق بين النشطاء فإن أكثر من 1.5 مليون عامل إيراني قد خسروا وظائفهم خلال ولاية أحمدي نجاد الأولى.

وفي نفس الفترة، ارتفع عدد «الموظفين غير المثبتين»؛ أي الذين يعملون بدون عقود من 12% إلى 30% من قوة العمل.

ويختلف مفهوم الخصخصة في الجمهورية الإسلامية عن مدلوله في البلدان الأخرى. ففي إيران، توفر المصارف التي تمتلكها الدولة رأس المال الذي تحتاجه لشراء الأسهم في الشركات الحكومية المعروضة للبيع. وتخلو معظم القروض التي تمنحها البنوك لذلك الغرض من الفوائد؛ التزاما بالشريعة الإسلامية.

ولكن السؤال هو: من الذي يحصل عليها؟ في عهد رفسنجاني وخاتمي كانت معظم القروض تذهب إلى الملالي أو أولادهم أو أقاربهم.

وكانت قائمة تشتمل على 300 من الرجال الأكثر ثراء في إيران قد انتشرت في طهران العام الماضي، وكانت تشتمل على أسماء 100 من الملالي أو الـ«آغازاديه» أي أولادهم على الأقل. وفي الكثير من الحالات، كان الملالي يمتلكون الأعمال من خلال المشروعات الخيرية وغيرها من المؤسسات الشبحية التي يفترض أن تكون مخصصة لخدمة الفقراء والمحتاجين؛ وهو ما يعني وجود جزء كبير من القطاع الخاص لا يدفع ضرائب ولا يخضع للمساءلة.

وفي عهد أحمدي نجاد، ذهبت القروض بدون فوائد، والتي يفترض أن تذهب لشراء الشركات المخصخصة إلى المسؤولين بالحرس الثوري والأعضاء في المؤسسات الأمنية المختلفة التي ظهرت باعتبارها القاعدة الحقيقية المؤيدة للنظام.

ولتأمين غطاء شعبي، أصدر أحمدي نجاد عددا مما يطلق عليه «أسهم العدالة»، وهي عبارة عن كميات من الأسهم المحجوزة للموظفين في الشركات المخصخصة، ووفقا لتقديرات وزارة العمل فإنه لم يتم توزيع سوى 4% من تلك الأسهم حتى الآن.

وخلال السنوات الأربع الماضية، وضعت أسماء كل من الجنرال حسن فيروزآبادي، ووزير الداخلية الجنرال صادق محصولي، وقائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري في قائمة أكبر حاملي الأسهم في الكثير من الشركات المخصخصة.

وقد حصل الآلاف من المسؤولين بالحرس الثوري ـ سواء من العاملين أو المتقاعدين ـ على أسهم في تلك الشركات بالإضافة إلى زملائهم في الوكالات الأمنية.

وقد عقد أحمدي نجاد العزم على سحب سيطرة المجموعات الموالية لفصيل رفسنجاني على التجارة المربحة لدول مثل الصين، وكوريا الجنوبية، وألمانيا. وإذا استمر ذلك التوجه الحالي خلال السنوات الأربع القادمة، فسوف تبرز النخبة العسكرية الأمنية التي تتكون من حوالي 100 ألف ضابط ناشط ومتقاعد باعتبارها الكتلة الاقتصادية الأساسية في الجمهورية الإسلامية.

ومن الناحية القانونية، فلا يوجد ما يمنع سعي الجيش لامتلاك الممتلكات المخصخصة، ولكن الكثير من الإيرانيين يعتقدون أن تلك السياسة تزيد قوة قبضة الجيش على السلطة؛ بل وتقلل فرصه في تطوير نظام تعددي يعتمد على اقتصاد السوق. وفي الوقت الذي أعطى فيه «درة التاج» إلى المؤسسة العسكرية الأمنية، حاول الرئيس أحمدي نجاد أن يخفف من الغضب الشعبي بتوزيع المال على الفقراء خاصة خلال جولاته على المقاطعات. وربما تخلق مثل هذه الخطوات التكتيكية دعاية «بروباغاندا» قوية، ولكنها لن تسفر عن نتائج إيجابية، بل إنها قد أسهمت في بعض الحالات في زيادة معدلات التضخم وتعزيز الفساد في الحياة العامة.

لن نعرف أبدا ما إذا كان أحمدي نجاد قد سرق السلطة كما يدعي موسوي أم لا، ولكن المؤكد أنه يحاول أن يجرد خصمه من قوته الاقتصادية المؤسسة على تعزيز مصالح مؤيديه في المؤسسة العسكرية الأمنية.