الإرهاب ورقصات الطيور المذبوحة

TT

كثيرة هي المؤشرات التي تفيد بأن الجماعات المتطرفة ذات الخطاب المنغلق قد فقدت الكثير من جاذبيتها الشعبية وبات ظهور الرموز القيادية لهذه الجماعات في الفضائيات كعدمه، لا يحرك ساكنا ولا يثير ما كان يثيره من انبهار لدى قسط وافر من الجماهير الإسلامية.

زد على ذلك أن إصابة خطاب الجماعات المتطرفة بالتهرئة واستنادهم إلى المفاهيم والشعارات نفسها، التي ما فتئ يتأكد البون الشاسع بينها وبين ميزان القوى على أرض الواقع وفي لغة النتائج الفعلية الملموسة، كل هذا نقل تأثير هذه الجماعات من مستوى العمق والفعل والأهمية البالغة إلى مستوى اللامبالاة وتآكل تأثيرها إلى درجة أدنى مما كانت عليه.

ويعود تراجع نفوذ رموز جماعات الفكر الظلامي وتقلص تأثير خطابها وأطروحتها القائمة على العنف والقتل والعمليات الانتحارية والإقصاء، إلى افتضاح مضمون مشروعها الذي لا يعشش سوى في الفئات التي تعاني من مشاكل اقتصادية أو ثقافية أو دينية، بمعنى الأشخاص الذين يعوزهم الفهم الصحيح والجوهري والعميق للدين الإسلامي، وهو مشروع لم يحقق أي مكسب يدافع به أصحابه عن وجاهة مزيد التشبث بتهديداتهم ووعودهم.

ولما أدركت رموز الجماعات المتطرفة وعقولها المدبرة أن عهدها الذهبي قد اضمحل وفقدت جاذبيتها المعهودة واستعداد جماهيرها للتماهي معها، ها إننا من حين إلى آخر نشهد رقصة أشبه ما تكون برقصة الطائر المذبوح المحتجة على نهايتها الوشيكة.

من حين إلى آخر تعلن هذه الجماعات عن وجودها وبأنها لا تزال قائمة الذات والفعل والعنف.

غير أن محاولات إثبات الوجود هذه لا تفعل شيئا سوى أنها تؤكد صورة الطائر المذبوح، وذلك بحكم ارتباكها وتراجع قدراتها التكتيكية، فتكون النتيجة عكسية بالنسبة إلى هذه الجماعات، إذ يتأكد تنامي القدرة الدفاعية الأمنية للدول الإسلامية ضدها واتساع مجال مراقبتها بعد أن كانت في غير متناول الرؤية.

ففي هذا الإطار من المشهد الدرامي لرقصة الطائر المذبوح، يصح أن نضع عملية اعتقال الإرهابيين الذين صادرت أجهزة الأمن السعودية أسلحتهم والبالغ عددهم قرابة 44 إرهابيا، مما يعني أن هذه المجموعة لم تحسب حسابا حتى لما هو ديني، أي شهر رمضان المعظم بما يعنيه من تدين حقيقي، يعزز معاني القرب والتسامح والتكافل الإنساني.

ولعل هذه الرقصات التراجيدية تكشف في الوقت نفسه حقيقة أن قلب هذه الجماعات ما زال ينبض، وإن كان بغير انتظام، مما يحتم مزيد اليقظة وتوسيع أبعادها، خصوصا أن إعلان تونس سنة 2010 سنة دولية للشباب المسلم فرصة ومناسبة فكرية وثقافية وحضارية بامتياز، من شأنها أن تسهم في تطويق الفلوات التي يتسرب منها الفكر الضال والمتطرف والقاتل.