دفاعا عن النظام الصحي البريطاني

TT

عندما أنشئت خدمة الصحة الوطنية البريطانية عام 1948، أشار مؤسسها أنيورين بيفان، السياسي الفذ ذو الشخصية الكاريزمية، إلى أنها ستكون بديلا عن الخوف. إلا أنه وبعد مرور أكثر من 60 عاما عادت المخاوف لتسيطر على مناقشات إصلاح الرعاية الصحية في الولايات المتحدة.

تتنوع هذه المخاوف ما بين روايات مضللة إلى كاذبة وأخرى مثيرة للسخرية، كان من بينها مزاعم غريبة، حول ما أسمي بـ «لجان الموت» وعن حجب الرعاية الصحية عن كبار السن وعدم قدرة المرضى على اتخاذ القرارات الطبية والعلاج على نفقة الدولة، ملأت الصحف والإذاعات والمدونات. لكن كل تلك المزاعم غير صحيحة على الإطلاق، إضافة إلى أن المناقشات التي أثيرت بشأن صحة البروفيسور ستيفن هاوكنغ كانت غير أخلاقية، بل وثبت خطأ من اخترعوها بصورة عرضتهم لحرج بالغ.

وهنا نعرض بعض الأمور التي يتوجب على الأميركيين معرفتها بشان نظام الرعاية الصحية البريطانية:

كل مواطن أو مواطنة في بريطانيا مسجل لدى طبيب عائلته الخاص الذي يمكنه زيارته عند الحاجة ـ من دون دفع أي رسوم ـ وهؤلاء الأطباء متعاقدون مستقلون مع نظام الخدمة الصحية ومعترف بهم ويكافئون على جودة أعمالهم عند تلقي رواتبهم، ومن ثم يمكنهم التركيز على ما يقومون به وليس على ما يتقاضونه. واعتمادا على المنشآت القائمة، سيكون بمقدور كل جمعية في انجلترا بحلول العام القادم الحصول على عيادة طبية تقدم خدماتها من الثامنة صباحا وحتى الثامنة مساءً طوال العام، حيث يمكن لأي بريطاني زيارة الطبيب مجانا بغض النظر عما إذا كنت مسجلا أم لا.

وفي الحالات التي يتم فيها تشخيص مرض عضال، كالسرطان مثلا، لا يستغرق الأمر أكثر من أسبوع أو اثنين للعرض على الأطباء المختصين، وينتهي من جميع اختبارات التشخيص المطلوبة والاستعداد لإجراء جراحة أو أي تدخلات أخرى. وهذا النظام ينافس أفضل نظم الرعاية الصحية في الولايات المتحدة أو أي مكان آخر في العالم.

وبموجب قانون خدمة الصحة الوطنية يحق للشخص اختيار مقدم الخدمة الطبية وهو ما يعني أي مقدم خدمة سواء أكانت عامة أم خاصة أو غير ربحية. وبحلول أبريل (نيسان) 2010 سيكون خدمة الصحة الوطنية أول نظام رعاية صحي في العالم يقيس بصورة منهجية جودة الرعاية المقدمة في كل قسم في كل مستشفى ويعلن عنها، وهو ما يعني قدرة المرضى على القيام بخيارات صحيحة ومطلعة حول الأفضل بالنسبة لهم ولعائلاتهم. وقد نشرت بعض من هذه المعلومات بالفعل.

وقد ركز أكبر مروجي الشائعات بالنسبة للنظام الصحي الخاص بنا على المعهد الوطني للتميز الصحي، الهيئة الرائدة المستقلة التي تقدم النصائح حول فاعلية العقاقير والأدوية، لكننا نعتقد أن عليك أن تدفع مقابل ما يجدي إذ أن معايير المعهد لم تعد تساير العصر. وفي الوقت ذاته أن نضع في أذهاننا أن صناعة الدواء البريطانية هي الثانية بعد الولايات المتحدة في الابتكار وريادة الاكتشافات الدوائية. ويقوم النظام الصحي الوطني باختراع وتقديم الخدمات الطبية الرائدة بدءا من استخدام التصوير بالرنين المغناطيسي في الستينات إلى التطورات الرائدة في استخدام الروبوت في مجالات الجراحة.

ولا يعني الدفاع عن النظام الصحي البريطاني ضرورة الاعتقاد بأنه الوصفة الصحيحة للولايات المتحدة. فليس لنا الحق في أن نملي الحلول على الولايات المتحدة، لكننا نأمل في أن يكون تصويب بعض الحقائق عن نظام الرعاية الوطنية ذا عون للأميركيين على تقييم القوة الحقيقية والتحديات في نظامنا، بدلا من التركيز على المعلومات الخاطئة التي تنتشر بين تجار الخوف. حقيقة القول، إن أيا من المقترحات الأميركية ـ من الرئيس باراك أوباما أو أي فرد آخر ـ لم تنجح في خلق نظام مشابه للقائم في بريطانيا. وما نشارك الأميركيين فيه هو مجموعة من القيم المشتركة: إيمان بأن الرعاية الصحية تتجاوز الحدود الضيقة للاستهلاكية وأنها حق أخلاقي لا بد من ضمانه للجميع، وإخلاصا لمبدأ أن المجتمع الجيد يوحد مواطنيه في هدف مشترك حيث يتغلب الأمل على الخوف.

ويشكل الخوف سلاح الاختيار بالنسبة لمعارضي الإصلاح الذين لا يجدون بديلا جيدا لتقديمه، حيث تنفق الولايات المتحدة من ثروتها الوطنية خمسة أضعاف ما تنفقه سنغافورة في حين أن معدل المعمر المتوقع في كل منهما متساو تقريبا.

وحتى مع اعتبار العوامل الأخرى، فمما لا شك فيه أن الصورة التي تم من خلالها تنظيم وإدارة الرعاية الصحية ستحدث تقدما. والخوف الأميركي من خفض نصيب الرعاية في دول مثل بريطانيا وكندا، وأن مثل تلك الانخفاضات لا يجب أن تتم في الولايات المتحدة، بيد أن 47 مليون أميركي لا تشملهم مظلة التأمين الاجتماعي هو صورة متطرفة من التخفيض. لذا فإن البينة تقع على من يعارضون التغيير لأنهم يقفون دفاعا عن الخوف.

* آرا دارزي، الوزير الأسبق للصحة والجراح الممارس

في نظام الرعاية الوطنية. ورئيس قسم الجراحة

في إمبريال كولدج

* توم كيباسي، محاضر شرفي في إمبريال كولدج.