ألف عام

TT

عرفت من «المصري اليوم» أنه منذ أربعة أيام كان يوم ميلاد أنيس منصور. وقرأت تعليقات القراء على المناسبة فرأيت فيها جميعاً وفاء مصر لكتَّابها وأساتذتها ومفكريها ومصابيح دربها الطويل. وأنيس منصور هو مزيج سحري من جميع هؤلاء. يعطى رواد الفضاء برشامة فيها كل الفيتامينات وعناصر الطاقة. ومنذ عقود يقدم أنيس منصور لرواد الأرض الفلسفة والمعرفة والأسئلة والأجوبة والسياسة والأدب والفكر والشعر والحب والرواية والسفر في برشامة سحرية من بضعة أسطر. أستاذ في الكتاب الكبير وأستاذ في المقال الصغير ومجتهد جاهد متكرس متفرغ في الدفتر الأكبر. قلم وورق ولا شيء آخر. يسافر من أجل أن يكتب ويحب من أجل أن يكتب ويقرأ من أجل أن يكتب ويغضب من أجل أن يكتب.

لم أعرف، في صحافة العالم، قلماً قادراً على مزج الأشياء وحبك الأشياء وتبسيط التعقيدات واختصار المطولات واستيعاب الفلسفات وتشويق الحكايات، مثل قلم أنيس منصور. ومنذ أسابيع قليلة كتبت سناء البيسي في «الأهرام» مقالها الأسبوعي المزهر تقول فيه إن مصر تسأل كل يوم «أنيس كاتب إيه النهار ده». وذات مرة قال لي الأستاذ أسامة سرايا رئيس تحرير «الأهرام» إن الرئيس حسني مبارك إذا لاحظ غضباً في نقد أنيس منصور للعمل الحكومي قال: «إذا زعل أنيس معناه الغلط كبير قوي».

صحافيو مصر الكبار شهرتهم السياسة. هيكل وأحمد بهاء الدين وكامل زهيري وسلامة حافظ وإبراهيم سعدة، ولكن أنيس منصور كتب في كل شيء. في السادات وفي أم كلثوم وفي عبد الحليم حافظ وفي عبد الرحمن بدوي وفي الصحافة وفي السفر. وقد كان علي ومصطفى أمين رائدين في تنوع المقال، لكنهما لم يكونا في ثراء أنيس منصور وفي ثقافته وحتى في دأبه. وخصوصاً في غزارته. وقد فرقتنا السياسة طويلا وجمعتنا هذه الصحافة. وتجمعنا أيضاً مكتبة «غالياني»، التي تفاخر بأنها «أول مكتبة إنكليزية في القارة».