حينما تغدو حياتك مسلسلا كوميديا!

TT

بعد انقطاع طويل عن ملاعب الكرة، والاكتفاء بمتابعة مبارياتها من المنزل، تجرأت ذات يوم وذهبت إلى الملعب، فشغلت الجالس إلى جواري بكثرة أسئلتي مثل: من سجل الهدف؟ من اللاعب رقم 9؟ من البديل عن اللاعب المصاب؟ وضاق الرجل ذرعاً بأسئلتي، وأنا أشغله عن متابعة المباراة فالتفت نحوي، وقد بلغ به الحنق مداه سائلا:

ـ «ما الذي أتي بك إلى الملعب إذا كنت لا تعرف أسماء اللاعبين، ولا تفرق بين ضربة الجزاء وضربة الشمس؟».

فابتلعت تعنيفه بصعوبة، وأنا أقنع نفسي بأن الرجل على حق. وفي شهر رمضان من كل عام أجد نفسي متورطاً في نفس الأسئلة البلهاء حينما أتابع مع الأهل أو الأصدقاء بعض المسلسلات الرمضانية، فأنا لا أحب أن أتابع المسلسلات منذ اليوم الأول، وعادة ما أنتظر أسبوعاً أو أكثر أسأل الناس عن المسلسل الذي يستحق المتابعة فيضعني كل واحد في اتجاه بوصلته، واضطر إلى من يملأ لي فراغ القصة، أو الحلقات التي مضت حتى أتمكن من المتابعة، وهنا كثيراً ما يرمقني أحدهم شذراً وهو يقول:

ـ «ألا تتركنا نستمتع بالمسلسل طالما أنك لم تتابعه من قبل؟».

فألوم نفسي قبل أن أواصل الأسئلة من جديد.

هذا العام قررت أن أغير عاداتي، فقرأت مبكراً عن الأعمال التي ستقدم في رمضان، ومواعيدها، وقنواتها، وأعددت العدة لمتابعتها منذ اليوم الأول، واعتمدت قلبي دليلي في اختيار بعضها، لكنني اصطدمت بتباين اختيارات الأسرة، فأنا أريد أن أتابع مسلسلا عن حياة ليلى مراد، وآخر يريد أن يتابع «باب الحارة»، وثمة ثالث يريد مسلسلا خليجيا، وهكذا وجدتني اقترح بأن يكون لكل واحد جهاز تلفازه، حتى لو حولنا صالة الجلوس إلى ما يشبه متجراً لبيع الأجهزة الكهربائية، فلقد اتفقنا على ألا نتفق، وغدت حياتنا في المنزل مسلسلا كوميديا يوميا نتقاسم بطولته المطلقة!

هذا التباين تفرضه كثرة المسلسلات التي تقدمها القنوات العربية الفضائية خلال شهر رمضان، فهذه الأعمال الدرامية الكثيرة لو وزعت على كامل شهور السنة لكفتنا، وكفت القنوات الفضائية، فعلى ذمة الراسخين أمام الشاشات أن أكثر من خمسين مسلسلا عربيا تبثه القنوات العربية خلال هذا الشهر، فكيف يمكن للفرد في غابة الوقت المتداخل أن يتعرف على ما يستحق المشاهدة؟!

[email protected]