ممنوع دخول الشعراء.. أفلحت في أن أجعل موته علناً!

TT

لقد وجدت شاعرنا الكبير عبد الرحمن شكري قصيرا. أقصر مما تخيلت.. أو لعله صار قصيرا نحيفا.. وطربوشه قد اتسع على رأسه.. أو رأسه صغر فهبط الطربوش إلى ما فوق حاجبيه..

وأما منظاره الغليظ فغطى جزءا من الطربوش.. أما لون الطربوش فهو أحمر أسود.. أو أسود أحمر.. ولكنه مطبق.. تكسر أو انكسر.. أما ملابس الشاعر الكبير فبدلة قديمة جدا.. ويبدو أن لديه قميصا واحدا اختفت ألوانه أو صارت له ألوان وفيه فتحات..

ولا أذكر لون الجاكت أو البنطلون.. ولكن من المؤكد أن لهما ألوانا.. والذي أدهشني أنه صافحني كأنه يعرفني.. أو كأننا التقينا قبل ذلك بأيام. لم يندهش.. بل أنا اندهشت لذلك..

ثم أشار إلى الأرض: تفضل.

أي تفضل واجلس على الأرض.. فليس عنده مقعد.. ولا سرير.. وإنما المرتبة والمخدات على الأرض.. وليس في الغرفة شيء.. لا كوب ولا كتاب ولا صحيفة..

وجلست على الأرض.. أما هو فقد خلع حذاءه أو انخلع حذاؤه وتساقطت الجاكت والبنطلون. ولم يكن قميصا وإنما جلبابا حشره في البنطلون، فهو قميص نهارا وجلباب ليلا.. واتخذ ركنا من الغرفة.. وجلس واتجه إلىّ يسألني ماذا أريد أو كيف اهتديت إليه.. فقلت: لقد ظنوك ميتا يا أستاذ.. أو انتحرت.. أو أصابك شيء فسقطت في الشارع ثم إلى مقابر الفقراء لا يدري بك أحد.. بعد أن نسيك الأدباء والشعراء عشر سنوات أو تزيد..

سألته هل تسمح لنا بان نلتقط لك صورة؟

وخلع طربوشه ووضع إلى جواره جزمته.. ثم طربوشه فوق الجزمة.. ثم وضع الطربوش بين الجزمتين.. ثم قال: هذه أحسن صورة!

ونشرت صورة شاعرنا الكبير وقلت إنني اكتشفت أنه حي..

وبعد أيام مات الشاعر الكبير فقلت: كان من الممكن أن يموت دون أن يدري به أحد.. ولكن أفلحت في أن أجعل موته علنا!

وبكى الأستاذ العقاد..