بلبلي بلبول

TT

لم يبدأ أستاذي الفنان حافظ الروبي حياته الفنية بالرسم وإنما بالمسرح. وهذه الخلفية ساعدته على الإبداع في شتى الأمور. من ذلك أنهم بعثوه مع وفد الفتوة العراقية في الثلاثينات لتمثيل العراق في مهرجان الكشافة العالمي في برلين. اكتشفوا لدى وصولهم أن على كل وفد أن يتقدم أولا إلى منصة هتلر وينشد نشيده الوطني أمامه قبل أخذ مواقعه في الساحة. وقع الوفد العراقي في حيص بيص. لم يكن للعراق أي نشيد وطني ولم يعرف العراقيون ماذا ينشدون. ولكن حافظ، مستفيدا من خبرته المسرحية، تطوع وقال: «خلوها عليّ ولا تخافون. انتو بس ردوا بعدي».

سار الفتوة نحو منصة هتلر يرتجفون ذعرا وقلقا حتى تقدم حافظ الدروبي إلى الأمام وأخذ ينشد:

بلبلي بلبول

وردد سائر الوفد بصوت واحد قوي بعده: بلي!

يا أولاد بلبول

بلي

ما شفتوا عصفور؟

بلي!

ينقر بالطاسة؟

بلي

كلها رصاصة

بلي

بلبلي بلبول بلي

وأعادوا مرتين إنشاد النشيد الوطني العراقي الذي وضعه أستاذي حافظ لبلاده بشخطة قلم. يقال إن أدولف هتلر أعجب بالنشيد فصفق للفتوة العراقية بحرارة. وأستطيع أن أصدق ذلك. فلهذه الأهزوجة إيقاع عسكري قوي يضاهي أحسن ما أنشدته فرق اليونكرز الألمانية من مارشات في مسيراتها الزاحفة..

بل.. بلي.. بل.. بول.. بلي

كله إيقاع رهيب. والمعروف أن هذا النشيد طوره يهودي اسمه بلبول كان يقوم بتعليم السباحة للأولاد. وحالما تكمل الدورة ويتقنون السباحة يقودهم في مسيرة سباحية أمام أهلهم وذويهم من محلة السنك في وسط بغداد إلى كرادة مريم قرب دورة نهر دجلة. هو يسبح أمامهم وينشد بصوت جهوري على أنغام المقام «بلبلي بلبول.. يا أولاد بلبول»، وهم يرددون وراءه ويضربون بهمة وعزيمة صفحة مياه نهر دجلة بأذرعهم وأرجلهم بإيقاع الأهزوجة ويهتفون وراءه: « بلي!... بلي!» بينما تزغرد أمهاتهم وأخواتهم على الشاطئ فرحا بهم وتشجيعا لهم. ثم تدفع كل واحدة منهن نصف روبية أجدرا عن ابنها لبلبول اليهودي.

بالطبع لم يكن الفوهرر يعرف أن هذا النشيد الوطني العراقي قد وضعه يهودي من أبناء سوق حنون في عقد اليهود. صفق له دون علمه. فلاحظ ذلك الفتوة الألمان وحاولوا تعلم النشيد العراقي. ويقال إن بعض جنود الأس أس الذين خاضوا معركة ستالينغراد كانوا يطلقون مدافعهم على القوات السوفيتية وهم ينشدون:

بلابلي بالبول... شفتوا خسفور... كله رساسة..

ولا عجب أن خسروا تلك المعركة التاريخية.