هذا نحن

من نحن؟ طرح السؤال مليون مرة، وأجيب عليه ألف مليون مرة. ربما من أيام أرسطو وربما قبله بألف عام. وقد تعددت الإجابات وفق عدد المجيبين. العلماء قالوا شيئاً، والأدباء قالوا شيئاً، والشعراء قالوا إنما علمت شيئاً وغابت عنك أشياء. وعندما تتابع أقوال السياسيين في لبنان، تدرك أن الإنسان هو في خلاصته عبارة عن جهاز صلب من خلايا المناعة. خلايا جسمانية وخلايا روحانية وخلايا نفسية تساعدك على مواجهة أصعب ظروف التقلب الطبيعي والجغرافي والتاريخي والنفسي. خلية ضد آثار الكذب وخلية ضد آثار اليأس وخلية ضد آثار البطالة وخلية ضد مفعول الألفاظ النابية والوقاحات الغليظة.

الحياة البشرية دفاعات. نشعر بالبرد فتتحرك خلايا الدفء. يجور القيظ فتغني لنا خلايا الدفاع أنشودة الأمل بالنسيم الآتي. تعم الحروب العالم فيقف على أبوابنا ونوافذنا جيش من الخلايا الباسمة: لن يطول الانتظار سوف ينتصر غاندي، الذي في حجم فراشة، على جيوش الإنكليز وذهب الإمبراطورية. وسوف يخرج مانديللا متوجاً مثل ملك الدهور. أما لماذا كلاهما أسمر، وهل للجينات دور فلست أدري. كل ما ندريه أن الرجل الأبيض خرج يستعمر وأن الأسمر ولد تحت برج الصبر. كان عبداً وصار زعيم الأمة التي تدعي زعامة البيض والأحرار. طال الألم لكنه انتهى.

في الشعر، يسمى الجهاز المناعي، الصبر. والصبر ألم وقهر وطاقة على احتمال ألفاظ السياسيين اللبنانيين. قال لي عربي كبير «يقهرني شيء واحد، وهو أنه ليس من لبناني يحب لبنان قدر ما أحبه». ولم يكن لديَّ جواب سوى الاعتذار. لكن ليس باسم ذوي الوقاحة وناشري القباحة، فهم لا يمثلونني ولا طبعاً أمثل شيئاً فيهم أو أحداً منهم.

منح الله الإنسان، عندما دفع به إلى الأرض، وصيَّره في مخلوقاته، جهاز مناعة خارقاً، وأعطاه القوة على التكيف، وجهزه ضد اليأس والاكتئاب والكذب. ولولا ذلك لكان الجنون يعم الأرض، ولما ارتضى أينشتاين أن يعمل موظفاً عند مدير غبي، ولما قبل وليم فولكنر أن يكون موظفاً في مصنع. يولد الناس تحت برج الصبر. الأبراج الأخرى للتفكهة وتسلية قارئي البخت وإكمال الحكاية.