ممنوع دخول الشعراء..

TT

سكت ثم تهدج صوته وبكى

وطلبت الأستاذ العقاد في بيته. وجاء صوته: أهلا يا مولانا.. خير.. قلت: والله يا أستاذ لا أعرف إن كان خيرا..

ضحك العقاد وقال: إن كان خيرا أهلا به وإن كان شرا فقد اعتدنا عليه.. قل يا مولانا..

قلت: أنا وجدت الأستاذ عبد الرحمن شكري في الإسكندرية..

وأدهشني العقاد، فهو أيضا لم يندهش وإنما سألني: كيف حاله يا مولانا؟

قلت: أسوأ حال يا أستاذ..

وحكيت كيف اهتديت إليه. قال: تعال يا مولانا وأنا في انتظارك.

وتحدث الأستاذ العقاد عن مزايا الشاعر الكبير عبد الرحمن شكري.. وأن تكوينه النفسي يمنعه من أن يكون كبيرا.. وأن انطواءه وانزواءه طبيعي جدا. فهو كذلك منذ أن عرفه.. وفي رأي العقاد أن عبد الرحمن شكري كان من الممكن أن يكون واحدا من أعظم الشعراء لولا أنه لا يحب الشعر ولا يحب أن يكون شاعرا.. فهو لا يحب عبد الرحمن شكري.

وقال العقاد إن عبد الرحمن شكري لم يكن شجاعا لدرجة أن ينهي حياته بيده مثل الأديب الفرنسي جان جينيه: أن يسرق أن يشرع في قتل أحد.. أن يعري صدره للبوليس.. والأديب الفرنسي جينيه قد كتب على نفسه أنه لص وأنه شاذ جنسيا. ويوم حبسوه ثار كل أدباء فرنسا في مظاهرة تطلب العفو لأنه مريض.. فهو لم يسرق لأنه في حاجة إلى شيء.. وإنما هو مريض..

وأفرجت عنه الدولة فلم تستطع الدولة أن تعارض مظاهرة يتقدمها فلاسفة فرنسا وأدباؤها.. ولكن شكري ضعيف.. وقد حاول الانتحار وعدل عن ذلك في أخر لحظة.

وبعد أيام طلبت الأستاذ العقاد وقلت له: البقية في حياتك يا أستاذ..

فتساءل: من يا مولانا؟..

قلت: عبد الرحمن شكري..

فسكت الأستاذ تماما.. دقيقة.. دقيقتين.. ثلاثا ثم تهدج صوته وبكي وارتجل أبياتا من الشعر في رثاء عبد الرحمن شكري!