شقيق الروح

TT

كل عام وانتم بخير. في احد ايام هذا الشهر الكريم من عام 560 الهجري ولد في الاندلس صبي قدر له ان يترك علامة واضحة علي صفحة الفكر العربي عبر الازمنة . حين يولد صبي يعتبر الحدث حدثا عاديا. ولكن ان التقي بهذا الصبي بعد الف عام وقد كبر في العلم والمكانة لهو حدث اعتبره كبيرا في حياتي. اما اللقاء فكان على صفحة كتاب فتحته مصادفة وانا اتجول مع زوجي في مكتبة لندنية تبيع الكتب العربية. فتحت الكتاب فطالعني هذا البيت من شعر ابن عربي:

ان الرجال الذين العرف عينهم

هم الاناث وهم نفسي وهم املي

عدت الي الغلاف فقرأت : الانوثة في فكر ابن عربي.

قد ينعتني البعض بالاندفاع او بتقديم العاطفة على العقل. ولن احتج لأنني في ذلك الموقف وفي ذلك اليوم اندفعت واشتريت الكتاب بدون ان اعرف من مضمونه سوى عنوانه وبيت شعر اثار فضولي واهتمامي. واحقاقا للحق اقول انني لم اندم على اندفاعي .

ما قرأت عن ابن عربي اقنعني بأن معرفته جمعت بين تحصيل العلم على يد اشهر علماء الاندلس من القرآن والحديث والفقه واللغة, الى جانب تجربة الخلوة والرؤية الروحية والمناظرات. ولعل اكثر ما حبب الي من اليسير الذي قرأت عنه ان المنظومة الفكرية التي تركها لم تقتصر على مبادئ الفكر التجريدي بل اكدت ان الحب منبع وسبيل للمعرفة وتقر بأن تجاذب الذكر للانثى والانثى للذكر قاعدة تفتح مجالا في الوجود لابراز الدور الخلاق لعلاقة الانا بالاخر. وعليه فان حضور الذكورة والانوثة شرط اساسي لكل موجود مجرد او حسي.

يمكن القول بأن ابن عربي اعتمد على الخطاب الالهي في القرآن الكريم, والحديث النبوي في بلورة الحضور المركزي للانوثة. وفي نظرته الى الفروق بين الجنسين ينفي ان يكون للاختلاف اي تأثير في انسانيتهما وينزع عن هذا الاختلاف الحق في التمييز بين المرأة والرجل لأن الجوهر الانساني يكمن في تجاوز العنصر الحيواني لا الخضوع لاحكامه.

ويقول ابن عربي لكل موجود جهة للذكورة وجهة للانوثة وبفضل هذا التزاوج تحصل وحدة الموجود. ويدلل علي ذلك بآيات قرآنية ترتكز علي حضور العنصر الذكري والعنصر الانثوي وتكاملهما كما في قوله تعالي في سورة يس «سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الارض». وقوله في سورة لقمان: «وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم».

ويستشف من ذلك المعنى ان مبدأ الزوجية لا ينطوي على تمييز او تفضيل بما ان ظهور الموجودات لا يستقيم الا بحضور زوجي . ورأي في كل زوج وجهين لنفس الموجود وهما وجها الذكورة والانوثة وهما صفتان تربط بينهما علاقة انجذاب من دون تفاضل .

تصور ابن عربي ان الانسان تكون من وحدة انشقت وظهر منها الرجل والمرأة كشقيقين متماثلين ومتكافئين ماديا وروحيا فقال:

ان النساء شقائق الذكران

في عالم الارواح والابدان

والحكم متحد الوجود عليهما

وهو المعبر عنه بالانسان

الشق هو النصف ويعرف الشقيق بالاخ والمثيل. ويعتمد ابن عربي علي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (النساء شقائق الرجال) ويعرضه كاساس يبين ان الاحكام التي تسري على النساء هي نفسها تسري على الرجال.

كل عام وانتم بخير.