القهر الصغير

TT

عندما يكتب المرء في أمر ما، لا يعني ذلك أنه يريد أن يغير مجرى الكون، أو أن يغير أحدا أو شيئا. إنه مجرد رأي من حبر على ورق. وإذا تكرر، في حزن أو في ألم أو في عتب، فهذا لا يعني أنه حملة أو معركة أو حرب، فهو ما هو أبدا: مجرد رأي من حبر على ورق.

وأنا لا أريد أن أعيد أحدا إلى الوراء. بالعكس: تقدموا تقدموا ثم تقدموا. الأمر الوحيد هو أن تسمحوا لي بالبقاء حيث أنا، أتمتع بضوء القمر وأشجى بالتقاسيم على القانون وأحب أم كلثوم. وعقدتي أنني كلما سمعت أو لمحت، بالصدفة، كليبا (بالباء الإفرنجية المخففة حتى السكون) من الكليبات، ورأيت آلة كهربائية واحدة فيها كل الآلات، وامرأة تغني إلا من حنجرتها، وتوليفا شعريا مثل شعر الماعز في الشتاء، كلما حدث ذلك، وتمادى في غلاظة الحدوث، بحثت عن أم كلثوم.

ليس فقط المطربة، ليس فقط أحمد رامي وبليغ حمدي ورياض السنباطي، بل خصوصا أم كلثوم الإنسانة. الست. المرأة التي جالت في العالم العربي تغني بعد 1967 لكي ترد عنا سم النكسة. جاءت المرأة تمسك بأكتاف الرجال وتهزها وتقول لهم قوموا إلى كرامتكم. النوم حشيش والاتكال أفيون، وعيب عليكم حشيش وأفيون وخدر. عيب.

اعتبرت أنها مسؤولة مثل قادة الجيش المصري، ورأت أنها يجب أن تتبرع بالغناء في الأحزان، هي التي جمعت ثروة من غناء الأعراس، وقفت على مسارح العرب وكأنها الناطق الرسمي باسم مصر والحارس المكلف على كرامة العرب. ولا نريد من رقاصات الطرب الحالي أن يحتضنّ الأمة، فهنّ غير قادرات على احتضان أكثر مما يحتضنّ. ولا أن يحملن تاجها، فهو عبء على الرؤوس الخفيفة والألحان الخفيفة والشعر الذي مثل شعر الماعز في الشتاء. ولا أن يكنّ في مستوى الأمة، فهن دون مستوى الحارة والزنقة والزاروب.

لا نريد العودة إلى عصرها وعصرنا، فهو لن يعود. نتوسل فقط، بعض الرأفة بنا: إطالة قليلة في الأثواب واختصار شديد في الظهور. تقليل الكلام وتقليل الهز وتقليل العري وتخفيض الميغاوات في البث الكهربائي والطرب المكهرب واللحن السمج والشعر الذي مثل شعر الماعز في الشتاء. أو حاولن السعي إلى خفض أسعار المسكنات. أما الارتفاع في أصواتكن وفي تكاليف المهدئات في وقت واحد فهذا القهر الكبير.