معركة مفتوحة

TT

بينما ينشغل العالم الإسلامي بتحليل الخطابات المتطرفة والأعمال الإرهابية لثلة غير بسيطة من الجماعات المنتشرة فيه، لا تنال مجاميع أخرى تعمل بصمت نفس القدر من التغطية الإعلامية والمتابعة في مراقبة الأثر «البطيء ولكن المستمر والفعال» على أعداد متزايدة من الناس. فمن الواضح أن جماعات كالإخوان المسلمين وطالبان والقاعدة والجماعة الإسلامية احتكرت الأخبار في الفترة الأخيرة وارتبطت بها أخبار بائسة معظمها يدور حول العنف والتطرف والتقوقع والانعزال وتسببت بصورة مباشرة في التأثير السلبي على أجيال من الشباب البريء. إلا أن هناك من يعمل وبعزم شديد وحرص أشد ليظهر للناس أن هناك بديلا حقيقيا للسلبية وهو المشاركة في صناعة الحلم وبناء العز. فها هو المهندس محمد جميل يبني تروس الإنتاج في مؤسسة واعدة تنمو بشكل مبهر وهي «باب رزق جميل» والذي يقدم من خلالها فرص عمل وتدريب ومشاركة وتمويل بشكل فعال ومبهر وهي مؤسسة تنتشر اليوم خارج حدود بلادها السعودية لتصل إلى سورية ولبنان ومصر مع تخطيط للانتشار في مواقع أخرى أيضا، وأيضا هناك السيدة ثريا السلطي التي تترأس مؤسسة «إنجاز» وهي مؤسسة تعمل على تطوير قدرات الشباب وتجهيزهم للدخول في أسواق العمل بثقة وجاهزية حقيقية عن طريق برامج تأهيلية جادة واستغلال خبرات مؤهلة لتدعيم حماس الشباب بكفاءة ودراية، و«إنجاز» التي تعتبر الأردن مقرا رئيسيا لها آخذة في الانتشار عربيا، فها هي تفتح أبوابها في مصر مع وعد بتطوير إمكانياتها بشكل أكبر عما قريب، وطبعا قبل ذلك كان هناك العملاق المشرف محمد يونس من بنغلاديش الحائز جائزة نوبل للسلام بنموذجه العبقري والفذ في تمويل المشاريع الصغيرة جدا بنهج غير مسبوق مبني على الثقة وإحسان الظن بالناس. وإذا كان بالإمكان أن تندرج هذه المشاريع المذكورة تحت بند «العمل الطيب» فهناك أمثلة على «الكلم الطيب» التي بدأت في الظهور بثقة في العالم الإسلامي لتكون لنفسها المكانة المستحقة بعد سنوات من هيمنة الخطاب المسعور والمتطرف على الأجواء، فالصوت الحكيم والعاقل آخذ في تبوؤ المكانة المطلوبة. أصوات مثل محمد سلطان العلماء من الإمارات العربية المتحدة وأحمد الطيب من مصر وعصام البشير من السودان وسلمان العودة وعبد الله فدعق وقيس المبارك من السعودية وهي في مجملها أصوات تحث على أن يكون المسلم عنصرا إيجابيا فعالا في مجتمعه وأن يكون له دور إنتاجي في كافة أشكال الحياة، وهذه الأمثلة جميعا (وغيرها بطبيعة الحال) تشكل بارقة أمل مهمة وضرورية لما يجب أن تكون عليه الأمور بعد سنوات من الخطاب والفعل الغاضب والسلبي. البحث عن القدوة وإيجادها هو أشبه بإضاءة الشموع في الظلمات الدامسة، تتدرج العين على التعود على الوهج وتهابه في البداية ثم يبدأ النور في التغلغل حتى يصبح عاديا. وليس هناك أبلغ من قول الحق عز وجل في كتابه الكريم حين قال: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأمَّا مَا يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثالَ). وهو معنى يصب تماما في المطلوب عمله وقوله. المعركة الداخلية على قلب وعقل الإسلام والمسلمين لا تزال مفتوحة وكل الأمل أن يدعم العمل السوي والخطاب العاقل.

[email protected]