المقرحي.. من يصل أولا: الموت أم البراءة؟

TT

قبل أيام أخلي سبيل عبد الباسط المقرحي، الذي أدين بموجب القانون الاسكتلندي بتفجير طائرة من طراز بوينغ 747 تابعة لشركة «بان أمريكان» فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية، وبني إطلاق سراحه ـ وهو المحكوم بالمؤبد ـ على اعتبارات إنسانية، بحكم أنه سيرحل عن الدنيا ـمن وجهة نظر طبيةـ خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، متأثرا بإصابته المتأخرة بسرطان البروستاتا، وذكرني موضوع الجزم بموته في هذه الفترة المحددة بجاري الأميركي، الذي قال لي ذات يوم بعيد إنه كان في وظيفة مرموقة في العاصمة الأميركية، حينما أخبره الأطباء أن أمامه ستة أشهر فقط قبل أن يودع الحياة، فاستقال من عمله، وباع ممتلكاته في العاصمة، وعاد ليموت في مدينته الصغيرة نورمان بولاية أوكلاهوما، ومضت الشهور الستة من دون أن يموت، وحينما أخبرني بالحكاية كان قد تجاوز موعد موته المفترض بعشرين عاما، مات خلالها كل الأطباء الذين أخبروه بدنو أجله، فماذا لو حدثت مع المقرحي، وتجاوز عمره المدة المحددة التي كانت سببا في إطلاق سراحه؟

ويلفت النظر في قضية عبد الباسط المقرحي إصرار الرجل الذي يقول الأطباء إن فسحته المتبقية في الحياة تسعون يوما على إثبات براءته، فهو يرفض أن يقضي ما تبقى له من أيام في تدبر أمر رحيله، بل يعتزم النضال للدفاع عن نفسه، وكأن الرجل لا يريد أن يرحل من الدنيا و270 ضحية متعلقة برقبته، فهو يرغب بأن يصفي حساباته مع الدنيا، فهل سيمهل الزمن المقرحي حتى يتمكن من تقديم دليل براءته؟ وإن كان ثمة دليل من ترى سيصل أولا: الموت أم البراءة؟

وأزعم أنني قرأت الكثير من تفاصيل محاكمة المقرحي، والأداء الرائع الذي قام به محاموه لإنقاذه، ورغم ذلك أجد نفسي منذ ذلك التاريخ أراوح قناعتي عند الحد الفاصل بين الإدانة والبراءة، أتخيله مدانا، وأتساءل: أي سيناريو يمكن أن يدور في ذهن رجل خطف الحياة من 270 شخصا، كانت لهم أحلامهم وآمالهم وأمنياتهم؟ وأتصوره بريئا فينتابني الحزن أن تقسو الدنيا على إنسان، فتسلبه حريته وأمنه وسكينته، وتودي به في سجون بعيدة، ينأى فيها الوطن عن العيون، ويختفي الأحباب!

وإذا كان القانون الاسكتلندي قد أطلق سراح عبد الباسط المقرحي لأسباب إنسانية، فما أحرانا أن نتعامل مع قضيته بنفس تلك الروح الإنسانية فندعو الله أن يكمل عليه أيامه بالطمأنينة والستر والسكينة، وندع أمر إدانته أو براءته لأحكم الحاكمين.