هل سرق الإسرائيليون كلى الفلسطينيين؟

TT

الإسرائيليون في حالة هيجان لأن صحيفة سويدية نشرت تحقيقا تقول فيه إن جنودا إسرائيليين قاموا ببيع أعضاء مسروقة من فلسطينيين قتلوهم. الحكومة الإسرائيلية اعتبرته جريمة، أعني الخبر، في حق يهود العالم والشعب الإسرائيلي، وقالت إنها لن ترضى بأقل من اعتذار من حكومة ستوكهولم. السفيرة السويدية في تل أبيب حاولت إرضاء الإسرائيليين بتصريح قالت فيه إن التقرير غير مقبول، وان الصحيفة لم تتحل بالمسؤولية عندما نشرت الاتهامات، إلا أن رؤساءها في وزارة الخارجية والحكومة قرروا عدم الانحناء للإسرائيليين، واعتبروا تصريحات سفيرتهم لا تعبر عن موقف رسمي، وأن المسألة برمتها شأن إعلامي لا يستوجب موقفا أو اعتذارا وأن حرية الصحافة مكفولة دستوريا.

والقصة أن اكبر صحف السويد توزيعا نشرت تحقيقا عن فلسطيني توفي لكن جثته وصلت إلى أهله مخيوطة بعد أن جرى تشريحها دون داع. جاءت الحادثة بعد الإعلان في الولايات المتحدة عن اعتقال شبكة مجرمين يقومون ببيع أعضاء للجسم من بينهم يهودي في نيويورك قبضت عليه المباحث الأميركية وهو يحاول شراء كلية إنسان من إسرائيلي بمائة وستين ألف دولار. شبهات بررت للصحيفة نشر الخبر والاتهام، ورد من مسؤول إسرائيلي ينفي فيه الرواية. وبالتالي استوفت القصة الصحافية قواعد النشر.

نحن نفترض أن الإسرائيليين معتادون على النقد السياسي بسبب احتلالهم أراضي غيرهم، وسياستهم العسكرية المتوحشة، وقد عودوا العالم على إدارة ظهرهم لما يكتب ويقال، لكن هذه من المرات النادرة التي يواجهون فضيحة إعلامية، سواء صحت الرواية أو حتى لو كانت رواية مختلقة. فالتحريض ضد الإعلام وتهديده عادة لا يمر بسلام في المجتمع الإعلامي الغربي.

من جانب آخر خدم النزاع، الذي يتفاعل بين الحكومتين السويدية والإسرائيلية، الجانب العربي والإسلامي. فقد عرف العرب بأنهم خصوم للحريات الصحفية العالمية، لا يحتملون النقد في أي موضوع وأي مكان. وان العرب والمسلمين يريدون أن يفرضوا رقابتهم على صحافة الدنيا. يبدو الآن أننا في نفس المستوى مع الإسرائيليين الذين لم يصمتوا وواصلوا الصراخ ضد السويديين، فاتهموهم بالعنصرية واللاسامية والكذب على الفرد الإسرائيلي. ولحسن الحظ أننا أمام صحيفة رفضت الانحناء للإسرائيليين واستمرت تروي المزيد من التفاصيل عن الحادثة وبعناد. وهنا يعجز الجانب الرسمي الإسرائيلي عن التعامل مع الاتهامات الخطيرة إلا بتكميم الأفواه.

ما الذي يمنع السلطات الإسرائيلية من فتح تحقيق حول التهمة حتى تثبت للعالم كذبها، إن كانت كاذبة؟ الهيجان السياسي ضد الحكومة الإسرائيلية يجعل المرء أمام تفسيرين لا ثالث لهما؛ أولهما أن القصة صحيحة والخافي أعظم من ذلك، وقد يستوجب فتح تحقيق دولي على اعتبار أن الجرائم ترتكب بحق أفراد تحت الاحتلال. التفسير الآخر أن حكومة بنيامين نتنياهو، وتحديدا افيغدور ليبرمان، وزير خارجيته سيئ الصيت يسعى لافتعال معركة مع السويديين لخلق صورة البطل عن نفسه، بعد تزايد مشاكله مع رئيس الحكومة وصار يواجه تهما ضده بالفساد قد تنهي مستقبله السياسي.

عسى أن تحافظ الحكومة السويدية على موقفها من رفض الضغوط الإسرائيلية بلجم الإعلام السويدي، لأنها لو فعلت فلن تبقى دولة في العالم الثالث تطالب بالاعتذار والمنع من كل الإعلام الأوروبي.

[email protected]