الرجل الذي يغسل الصابون!

TT

كان يقال عن الموسيقار محمد عبد الوهاب إنه من شدة هوسه بالنظافة كان يغسل الصابون قبل استعماله. وكنا نلاحظ ذلك.. فهو يغسل يديه قبل الأكل وبعد الأكل وإذا كان في نيته أن يأكل وإذا كان في نيته ألا يأكل.. وكان يضع منديلا على أنفه، حتى لا يشم رائحة كريهة يتوهم مصدرها من أي إنسان قريب منه.

وفى يوم كنا في طريقنا إلى الغداء عند الأستاذ يوسف وهبي فقيل لعبد الوهاب: مع الأسف الماء مقطوع..

فانزعج وطلب من السائق أن يعود به إلى البيت.. مع أن الحل بسيط وهو أن نأتي له بالماء من أي مكان أو أن يذهب إلى جار ليوسف وهبي ويغسل يديه وسوف يكون مصدر سعادة لهذا الجار.

وكان توفيق الحكيم يداعبه قائلا: سوف تتعذب كثيرا يا عبد الوهاب، فجهنم ليس فيها ماء لغسيل اليدين.. والناس في الجنة ليسوا في حاجة إلى غسل أيديهم وأرجلهم.. هاها..

وكان يقول في تفسير ذلك إنه (هوس) الدقة.. فهو حريص جدا على فنه وحريص جدا على أن يكون في أكمل صورة.. وعبد الوهاب يجري بروفات كثيرة على ألحانه إذا كانت له وإذا أعطيت لأي فنان آخر.. إنه يسهر بالساعات لا طعام ولا شراب حتى يكتمل العمل على النحو الذي يراه..

وقد وصفه أحد النقاد الانجليز بأنه مثل (الراقون)، وهو طائر مشهور بأنه يغسل طعامه.. ويجلس إلى جواره حتى يجف، وعرفت الطيور الأخرى هذه الخصلة فتنقص من طعامه.. ولكن الراقون يعود يجمع طعامه من الحشرات ومن الأعشاب والزهور ويغسلها ويجلس إلى جوارها حتى تجف، فإذا جفت تناولها بمنتهي العناية..

وله طائر صديق.. يحرس هذا الطعام إذا نام الراقون.. والراقون ينام مباشرة بعد جمع هذه الأطعمة وغسلها.. ولكن عبد الوهاب ليس له صديق يحمي هذا الهوس الفني.. إنه هو حارسه وحاميه وحده!