جلباب غزة

TT

ثارت ثائرة حركة حماس على الإعلام وعلى وكالة الصحافة الفرنسية بالتحديد إثر نشر الوكالة تقريرا ما  لبثت أن تداولته عدة وسائل إعلام يتعلق بقرار حماس فرض الجلباب والحجاب على طالبات المدارس في قطاع غزة وقرار تأنيث المدارس بمعنى جعل الطاقم التعليمي والعامل في المدرسة من النساء فقط.

وزارة الإعلام التابعة لحماس أصدرت بيانا استهجنت فيه تقرير وكالة الصحافة الفرنسية بمطولة فيها عبارات تهكم وانتقاد من نوع أن التقرير المتعلق بفرض الحجاب في المدارس «سطحي وفاقد للشفافية الإعلامية والموضوعية المطلوبة وفيه انتقائية...».

البيان الحماسي الطويل لا يحمل على الإطلاق أي نفي للمعلومة الأساس التي باتت مؤكدة على لسان مديرين ومدرسين وطالبات ووجهن بقرار فرض الجلباب وتحمل عقبات عدم الانصياع له. هناك سلسلة من القرارات والتصريحات التي تحدثت عن قرار حماس وتبلغ مديرات المدارس به شفويا.

لا شك أن بيان التوضيح الذي أرادت به حماس الرد على التقارير الإعلامية وعلى المواقف المستهجنة للقرار الذي بدأ بالسريان، يستبطن مأزقا جوهريا في خطاب الحركة، وهو ما رافق تجربتها وعثراتها الكثيرة والكبرى خلال السنوات القليلة الماضية.

حماس عجزت عن تبرير خطوتها وحاذرت من تبنيها واكتفت بالاختباء خلف مسلمات من نوع أن الشعب الفلسطيني محافظ ومسلم وأن حجاب الطالبات هو قرار شخصي نابع من العائلات نفسها وليس مفروضا بقوة سلطة الأمر الواقع. إذن، الرحابة التي ادعت حماس أنها تمتلكها حين تسلمت بالقوة وبالقتال زمام السلطة في غزة سرعان ما انهارت في أكثر من مناسبة لا يبدو أن آخرها قضية فرض الحجاب في المدارس.

تضييق آخر تفرضه حماس على فلسطينيي القطاع لتزيد من رصيد الأزمات في غزة، خطوة جديدة تتخذها حركة حماس في قطاع لم تحقق في تجربة حكمه حتى الآن سوى مزيد من الحصار والشقاء المزمن على الفلسطينيين. مرة جديدة تدافع حماس عن نفسها باتهام الإعلام الذي تطالبه بالتركيز على الحصار الإسرائيلي والمعاناة من الاحتلال (وهو حتما يستوجب التغطية والاهتمام) مع إهمال سقطات وإخفاقات كبرى هي في أساس تجربة الحمساويين في الحكم. وهنا لا يكفي أن تستكين حماس للإعلام المتعاطف معها الذي إما امتنع عن طرح الموضوع وإما قاربه على نحو حذر فيه كثير من المحاباة لها.

مرة جديدة الإعلام هدف ضغينة القسر والإقصاء.. كيف لا وهو من يتولى بالدرجة الأولى مهمة كشف النوايا والتوجهات، ولكن في المقابل كيف لحماس أن تعتقد أن قرارا من نوع  فرض الحجاب في المدارس يمكن تمريره من دون إشارة وإعلام. فالسلطة من المفترض ألا تخجل بقراراتها لكن يبدو أننا حيال سلطة مواربة بنواياها وتطلب من الإعلام أن يتواطأ مع مواربتها هذه.

من المفترض ألا تخجل حماس بقرار من هذا النوع، خصوصا أنه منسجم مع دستورها وعقيدتها. محاولة المواربة دليل على أن ثمة خللا يطال العقيدة لا يمكنها من المجاهرة به. الإعلام يمكن أن يكون حاضنة نقاش من هذا النوع من دون أن يعني ذلك حتما القبول به.

diana@ asharqalawsat.com