وراء الدمار في بغداد

TT

مع تدهور الأوضاع الأمنية في بغداد، ثمة سبب آخر يدعو إلى القلق: لقد استقال رئيس جهاز الاستخبارات العراقية الذي تم تدريب أفراده من قِبل الولايات المتحدة بعد صراع طويل مع رئيس الوزراء نوري المالكي، الأمر الذي حرم البلاد قائدا هاما في الصراع مع الإرهاب الطائفي.

وقد استقال اللواء محمد الشهواني الذي كان يشغل منصب رئيس الاستخبارات العراقية منذ عام 2004، بسبب ما كان يراه محاولة من جانب رئيس الوزراء المالكي لتقويض سلطاته والسماح للجواسيس الإيرانيين بالعمل بحرية. ويبدو أن وكالة الاستخبارات المركزية التي كانت تعمل عن قرب مع الشهواني منذ أن ذهب إلى المنفى في فترة التسعينات وأنفقت مئات الملايين من الدولارات على تدريب أفراد الاستخبارات العراقية، قد أصيبت بالدهشة.

وقد أظهرت الأحداث الأخيرة الظروف الصعبة التي يمر بها العراق والتي أدت إلى استقالة الشهواني، وقد أظهرت جميعها أنه دون وجود دعم أميركي فإن السلطات العراقية تتعرض لضغط شديد لا سيما من جانب إيران المجاورة. وكانت حادثة السطو على مصرف «الرافدين» الحكومي في وسط بغداد مؤشرا مبكرا في 28 من يونيو (حزيران)، ويبدو أن من فعل ذلك هم أفراد من قوات الأمن العراقية. فقد اقتحم المسلحون المصرف وسرقوا 5.6 مليار دينار عراقي (نحو 5 ملايين دولار أميركي). وبعد المعركة التي خلفت 8 قتلى، هرب المسلحون إلى صحيفة يديرها عادل عبد المهدي وهو أحد نواب الرئيس العراقي. وقد اعترف عبد المهدي وهو أحد المقربين إلى الولايات المتحدة بأن أحد السارقين كان عضوا في قوات الأمن الخاصة به، لكنه أنكر أي تورط شخصي. وقد تم العثور على بعض الأموال المسروقة، لكنه يعتقد أن بقية الأموال في إيران، بالإضافة إلى بعض أفراد فريق السطو على البنك.

وقد تمثل أمر آخر أثار قلق الشهواني في التهديدات التي كانت تتلقاها قواته التي يبلغ قوامها 6.000 فرد. فقد أصدرت حكومة المالكي أوامر قبض على 180 ضابط استخبارات عراقي بدعوى تورطهم في جرائم، الأمر الذي يعتبره معسكر الشهواني انتقاما سياسيا بسبب قيامهم بعملهم. ومنذ تأسيس الاستخبارات العراقية بصورة رسمية في عام 2004، تم قتل 290 ضابطا، وقد استهدف العديد منهم من قِبل عملاء المخابرات الإيرانية.

وبعد استقالة الشهواني، فإن قيادة المخابرات أصبحت بيد اللواء زهير فاضل وهو طيار سابق في القوات الجوية إبان عهد الرئيس السابق صدام حسين. ولكن يقال إن بعض الضباط الكبار الذين يعملون مع فاضل يهربون إلى الأردن ومصر وسورية طلبا للأمن، وخوفا من استهدافهم من قِبل العملاء الإيرانيين إذا بقوا في العراق.

وقد وصلت قمة الفوضى الأمنية في العراق بوقوع تفجيرات الشاحنات المفخخة في 19 أغسطس (آب) التي استهدفت وزارة الخارجية وغيرها من الهيئات الحكومية وخلفت أكثر من 100 قتيل و500 مصاب. ومرة أخرى فإن هناك أدلة على وجود مساعدة من قبل قوات الأمن الحكومية للإرهابيين.

وقد أفاد وزير الخارجية هوشيار زيباري بعد التفجيرات: «لا أستبعد وجود تواطؤ من قِبل قوات الأمن. وعلينا أن نواجه الحقيقة. لقد كان في الوضع الأمني خلال الشهرين الماضيين تدهور واضح».

فعلى من نلقي باللائمة في وقوع هذه المذبحة؟ الأمر مفتوح أمام نظريات المؤامرة الطائفية في عراق اليوم. فقد أذاعت حكومة المالكي التي يقودها ائتلاف الشيعة اعترافا مزعوما من قِبل أحد الأفراد البعثيين من السنة وهو وسام علي كاظمي إبراهيم، بأنه هو الذي خطط للتفجير الشاحنات المفخخة وأن ذلك التخطيط تم في سورية وأنه دفع لحراس الأمن 10.000 دولار أميركي لكي يمر من نقاط التفتيش. لكن الأدلة الجنائية تشير إلى احتمال وجود دور إيراني حسبما أعلن مصدر للاستخبارات العراقية مقرب من الشهواني. وقال المصدر إن هناك علامات «سي ـ 4» على مخلفات المتفجرات الموجودة في مواقع التفجير تشبه تلك الموجودة على المتفجرات إيرانية الصنع التي عُثر عليها في الكوت والناصرية والبصرة وغيرها من المدن العراقية منذ عام 2006.

وقال مصدر الاستخبارات العراقية إن الروابط بين المالكي وإيران قوية للغاية حتى إن رئيس الوزراء العراقي يستخدم طائرات إيرانية بطاقم إيراني في رحلاته الرسمية. ويقال إن إيران قد عرضت على المالكي مساعدته في فوز حزب الدعوة الذي يرأسه بـ49 مقعدا على الأقل في الانتخابات البرلمانية التي ستعقد في شهر يناير (كانون الثاني) المقبل إذا قام المالكي بإحداث تغييرات في حكومته حسب الرغبة الإيرانية.

ومع تدهور الوضع الأمني في العراق، تبقى القوات الأميركية مجرد مشاهدة. وحتى في المناطق التي قد ينشط فيها عملاء القاعدة مثل الموصل، فإن الأميركيين لهم سيطرة محدودة عليها. ويتم إطلاق سراح الإرهابيين من السنة بسرعة من قِبل قوات الأمن العراقية مقابل رشاوى تصل إلى 100.000 دولار حسب أحد المصادر العراقية.

وردا على سؤال عما إذا كان على القوات الأميركية أن تتدخل لمحاولة استعادة الأمن قال مصدر المخابرات العراقية بأسى إنه قد يكون من الأفضل أن «تبقى بعيدة لكي تكون آمنة». وعندما سئل عما سيكون عليه الحال في البلاد بعد خمس سنوات وبعد غياب المساعدة الأميركية أجاب بشجاعة: «سوف يكون العراق مستعمرة إيرانية».

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»