طهران ولعبة التجسس البريطانية

TT

قد يستغرق الأمر سنوات عديدة قبل أن تتم كتابة القصة الكاملة للأزمة السياسية الحالية التي تفجرت بعد ظهور نتيجة الانتخابات الرئاسية، التي جرت في شهر يونيو (حزيران) الماضي. ومع ذلك فإن أحدهم داخل المؤسسة في طهران يقوم بكتابة هذه القصة بالفعل في شكل رواية تجسس.

وحسب هذه الرواية، التي ينشرها الإعلام الحكومي، فإن الأزمة التي ما زالت نتيجتها غير معلومة، كانت ثمرة مخططات قامت بها أجهزة الاستخبارات الغربية، بهدف تحويل إيران إلى «جمهورية علمانية».

وتمضي القصة على هذه الشاكلة: في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي، أقنعت المخابرات البريطانية (إم 16) إدارة كلينتون في واشنطن بأن نظام الخوميني في إيران أصبح ناضجا أمام «ثورة مخملية»، يمكن أن تغير النظام دون وقوع حرب. وقد وافق الأميركيون وتركوا للبريطانيين مهمة القيام بالمؤامرة. وقد بدأ البريطانيون في البحث عن شخص ليتم تقديمه كمرشح للرئاسة في انتخابات الجمهورية الإسلامية عام 1997، وقد اتصلوا بالعديد من الشباب والسياسيين الإيرانيين الطموحين الذين كانوا يحلمون بـ«الخومينية ذات الوجه الإنساني». وقد كان هؤلاء الأشخاص يعجبون بالديمقراطية الغربية سرا، ولكنهم كانوا يفتقدون الشجاعة اللازمة لترك الأوهام الخومينية. وقد التهموا كتب الفلاسفة الغربيين، ولكنهم كانوا يتأكدون كذلك من الإعلان عن تقواهم الإسلامية من خلال ارتداء الملابس والإمساك بالمسبحة التي تنتظم في خيطها 99 حبة من الخرز، وكذلك من خلال اجتناب ارتداء رابطات العنق. وكان الوضع النموذجي بالنسبة إليهم أن يعيشوا بالطريقة الغربية بينما يعيش أغلب الإيرانيين في ظل قيود الخومينية.

وكان أول صيد للبريطانيين هو أحد مثيري الفتنة من الخومينيين، الذي عرف باسم مستعار هو عبد الكريم سوروش. وحسب القصة التي يرويها كاتب طهران، فإن سوروش الذي تعلم الكيمياء في بريطانيا، والذي كان معجبا بالفيلسوف الليبرالي كارل بوبر، قد تحول إلى شخصية دولية وتم تقديمه في وسائل الإعلام البريطانية والأميركية وكأنه «مارتن لوثر الإسلام». ومن خلال سوروش قام المخططون بتوظيف عدد من الأفراد داخل إيران، بمن فيهم سعيد حجيران، وهو مسؤول أمن له طموحات كبيرة، وخلال السنوات القليلة التالية تحول إلى «مصمم حركة الإصلاح» في الجمهورية الإسلامية. ومن خلال سوروش وحجيران حدد المخططون رجل دين له رتبة متوسطة، وهو السيد محمد خاتمي، كمرشح نموذجي للرئاسة. وحسب المدعي العام الإسلامي في طهران محمد سيبهيري، ففي عام 1994 قام فيلسوف أسترالي يدعى جون كين بتطوير ما أسماه مشروع «المجتمع المدني» الذي سيكون نقطة انطلاق لحملة خاتمي. وقد سافر حجيران إلى لندن وعقد «جلستي عمل» مع كياني لتطوير المشروع.

وبحلول عام 2006 أصبح حجيران محركا لخاتمي، حيث حول رجل الدين المبتسم إلى سياسي يعتمد عليه وله تطلعات فلسفية. وقد كان انتصار خاتمي في 1997 «معدا» من قبل الرئيس البارز هاشمي رفسنجاني الذي لم يكن يرغب في وصول رجل دين متشدد آخر إلى السلطة وهو ناطق نوري. وبمجرد انتخابه أصبح المخططون الغربيون يغازلون خاتمي الذي دعوه إلى المؤتمرات الدولية، بما في ذلك مؤتمر الاقتصاد العالمي في دافوس، وكذلك الاجتماع السنوي لمجموعة بيلدربرغ، التي تعرف في وسائل الإعلام الإيرانية بأنها «مجلس الماسونية الذي يحكم العالم». وعند هذه النقطة تتحول رواية كاتب طهران إلى العديد من الأسماء والاتهامات، ونقرأ أن الفيلسوف الألماني جيرغين هابرماس يزور طهران ومدينة قم في عام 2002 كجزء من «خطة» إغواء طلاب المواد الدينية بالفلسفة الغربية. وكذلك فإن الفيلسوف الأميركي المتأخر ريتشارد رورتي الذي زار إيران عام 2004 مذكور كأحد المخططين، إلى جانب أستاذ أميركي آخر وهو جين شارب من هارفارد. ويعزى إلى كليهما تدريس الإيرانيين «نظرية التغيير الناعم للنظام». وما يدعو إلى الدهشة أكثر أننا نرى كذلك اسم أنطونيو نيغري، وهو الماركسي الإيطالي الذي زار إيران عام 2005.

ولا يدرك كاتب طهران أن الأفراد الذين ذكرهم ينتمون إلى مدارس فلسفية مختلفة، ولا يمكن أن يعملوا معا في أي خطة سرية. وتشتمل الرواية على عدد من الشخصيات الثانوية، ومن هؤلاء مايكل ليدين، وهو عالم ومسؤول سابق في البنتاغون، ومدير صندوق تحوط جورج سويرس وغاري سيك المساعد السابق في وكالة المخابرات المركزية، وليز تشيني ابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني. ويظهر مع هؤلاء مجموعة من الإيرانيين والأميركيين من أصول إيرانية، حيث يعتقلون في طهران خلال السنوات الأربع الماضية لفترات تصل إلى ثمانية أشهر. ويعود على الأقل اثنان من الأميركيين ذوي الأصول الإيرانية لأنهما كانا غير مؤهلين بما يكفي لكي يرجعا إلى الجمهورية الإسلامية ويراقبا الانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران). ويظهر الفيلسوف الفرانكو إيراني داريوش شايغان وصديقه الكندي الإيراني رامين جاهانباغلو بين المخططين كذلك.

ولإضفاء المزيد من التشويق تتضمن الرواية كذلك إشارات إلى جهاز المخابرات الإسرائيلي، الموساد، وإن كان ذلك على سبيل مجرد مساعدة المخططين البريطانيين. وكذلك فإن الاستخبارات الألمانية مذكورة في أغلب الأحيان كمصدر تمويل لشبكات عمل ومواقع المعارضة، وكذلك فقد تم توظيف عدد من الصحافيين التابعين لخاتمي في طهران لتنسيق المخطط، وأسندوا مسؤولية ذلك إلى مسؤول سابق في إدارة خاتمي.

كما تخبرنا رواية طهران بالمزيد عن عقلية المؤسسة الخومينية، بقدر يفوق القدر الذي تتحدث فيه عما حدث بالفعل. ومن الواضح أن القيادة الخومينية قد اهتزت بالفعل بسبب شك ملايين الإيرانيين الذين نزلوا إلى الشوارع لاستنكار «النظام المقدس» كما لو أنه يشبه تماما الأسلوب الفظ للديكتاتورية في العالم الثالث. فهذا النظام يحاول استعادة الثقة المفقودة بنفسه، والتي يحاول إلقاء اللوم في خسارتها على القوى الغربية التي تساعد الثورة. وسوف يعجب قارئ الرواية كيف يمكن أن يأتي كل هؤلاء الجواسيس والمخططون إلى إيران في أكثر من عقد من الزمان، وأن يعقدوا عشرات الاجتماعات ويخاطبوا العديد من التجمعات العامة دون أن تلحظهم أجهزة مخابرات الجمهورية الإسلامية التسعة المختلفة.

كما قد يعجب القارئ أيضا من كيفية إقناع عدد محدود من المخططين الأجانب نحو 20 مليون إيراني بانتخاب خاتمي مرتين وتسجيل نحو 13 مليون صوت لمير حسين موسوي، حسب الرواية الرسمية. كما يمكن أن نعجب كذلك من سبب اعتقال الجنود والقادة غير العسكريين، بينما يبقى قادتهم الكبار طلقاء. ونحن نعتبر «نظرة المؤامرة الأجنبية» إهانة لإيران والإيرانيين ولن تساعد الجمهورية الإسلامية في شيء. فإذا كان رئيسان سابقان ورئيس وزراء سابق، وهم الذين أداروا البلاد على مدى 24 عاما خلال عمر الجمهورية الإسلامية الذي يبلغ 30 عاما، عملاء للقوى الأجنبية، فلا بد من أن يكون هناك خطأ ما بشأن النظام نفسه. هذا فضلا عن مئات المسؤولين الكبار السابقين الذين يظهرون كأشرار في مخطط «الثورة المخملية» المزعوم. وبالإضافة إلى ذلك، إذا استطاعت قناة «بي بي سي» الناطقة باللغة الفارسية إقناع ملايين الإيرانيين بالسعي إلى تغيير النظام، فإن خطأ ما يجب أن يكون في نظام طهران.

والطريقة المثلى للنظام هي أن يعترف بأن المؤسسة الخومينية اليوم قد انقسمت بين رؤيتين متنافستين، يمثلهما الرئيس محمود أحمدي نجاد وموسوي.