لحظات التعليم المفقودة

TT

لنرجع إلى «لحظة التعليم» تلك. لقد ظهرت هذه اللحظة من خلال باراك أوباما بعد أن قال إن شرطة كمبريدج قد تصرفت «بغباء» في القبض على هنري لويس غيتس لمجرد أنه أسود يرغب في الدخول إلى بيته. لقد مر نحو شهر الآن، والأمر المؤكد هو أننا قد علمنا في هذه اللحظة شيئا جديدا عن أوباما وهو أنه لا يستطيع التعليم.

ويتضح ذلك عند مواجهة تحديين كبيرين يواجهان إدارته: إصلاح الرعاية الصحية والحرب في أفغانستان. وكلاهما يفقدان الدعم الشعبي. وبصورة متزايدة، فإن الشعب الأميركي قد أصبح مقتنعا بأن أفغانستان سوف تكلفنا العديد من الأرواح، كما أن إصلاح الرعاية الصحية سوف يكلفنا الكثير من المال، وكلاهما لن يكون له سوى عائد محدود أو لن يكون له عائد على الإطلاق. أيها الأستاذ، نرجو التوضيح.

ولا يستطيع أوباما، أو لكي نكون عادلين ودقيقين، فإنه لم يستطع ذلك. ويرجع ذلك إلى عدم الكفاءة التي أشرت إليها سابقا، كما يساعد مظهره الأنيق في عدم قدرته على التقمص العاطفي. فإذا تذكرنا ـ على سبيل المثال ـ هذه اللحظة عن غيتس، فإننا سوف نتذكر أنها تدور حول العنصرية وما إلى ذلك. وقد كانت هناك وفرة في التعليقات، ومنها على سبيل المثال تعليقات غلين بيك، وهو الأمر الذي أوضح أن هذه التعليقات تحتمل الخلاف، لكن أوباما ظل فوق مستوى الشجار. لقد كان هناك درس، لكنه لم يكن موجودا.

يا له من شيء يدعو إلى الأسف. فمن أجل لحظة التعليم هذه، ربما كان بوسع أوباما أن يتذكر حادثة من ذاكرته كأن يكون قد تم تصويره أو إيقافه أو تفتيشه أو شيء من هذا القبيل لأنه رجل أسود، وعلى وجه الخصوص شاب أسود. وربما كان بمقدوره أن يسرد قصة عن كيفية الشعور باللون الأسود، ولكن ليس الشعور بالحصول على درجتين من رابطة آيفي، أو توقيع عقد كتاب، إلخ، وكيف يشعر المرء بشكوك رجال الشرطة وإبعاد النظر من جانب السيدات ذوات البشرة البيضاء. لا. إنه لم يفعل شيئا من ذلك كله.

ولذا، فإن أوباما لم يعلمنا بشأن حادثة غيتس وهو لا يعلمنا بشأن التأمين الصحي. وبعض مشكلاته يتعلق بالإجراءات، فقد أحال إصلاح الرعاية الصحية إلى الكونغرس. ويرجع بعض المشكلات إلى التعقيد الذي لا يمكن تجنبه بشأن أي تشريع. لكن بعضها يرجع كذلك إلى عدم قدرة الرئيس على قول ما يريد ببساطة ولماذا يكون شيء ما غير صالح لنا. وهذا الفشل له وجهان: الرسالة وصاحب الرسالة.

أما الرسالة، فإنها سوف تتحسن. فالإدارة على أية حال ما زالت جديدة وما زالت تتعلم. أما صاحب الرسالة فإنه يمثل مشكلة رغم ذلك لأنه ذو طبيعة مختلفة، وقد كان مبهما خلال الحملة الانتخابية، حيث كان مرشحا فريدا على مر التاريخ وحالفه الحظ بأن جاء بعد جورج دبليو بوش، بالإضافة إلى دخوله الانتخابات أمام جون ماكين المسكين. ومن المبالغة القول إن أي ديمقراطي كان من الممكن أن يفوز، ولكن ليس من المبالغة أن نقول إن رسالة أوباما التي تدور حول «التغيير» كانت تدور حول شخصية المرشح نفسه. فلم يكن هناك شيء مثله في تاريخنا كله.

وفي النهاية، فإن نجاح إصلاح الرعاية الصحية سوف يكون مثار ثقة. وقد تعلمنا درسا من الاجتماعات التي عقدت بهذا الشأن، وهو أن نشعر بالألم والخوف الذي لا يقدره ذلك الرجل الذي يعيش في البيت الأبيض، وأن نشعر بالقلق الذي يعتري الطبقة المتوسطة من الأميركيين بشأن الرعاية الصحية، ما إذا كانوا سيحتفظون بما يملكون أو ما إذا كانوا سيمتلكون ما يكفيهم، أو ما إذا كانوا سيقضون بقية حياتهم في ألم وفقر مدقع. وللسخرية، فإن هذه هي الأسباب التي تدعو إلى الإصلاح في المقام الأول، وهي التي استند إليها أوباما كثيرا. فهو مصلح، وليس بحارا.

ويزداد تشبيه أوباما بليندون جونسون، حيث أصبحت أفغانستان بمثابة فيتنام الجديدة. ربما. لكن التشبيه الأفضل سيكون بجيمي كارتر وهو الذي حلله جيمس فالوس عام 1979 في مقال مجلة «أتلانتك» الذي جاء بعنوان «الرئاسة المجردة من العاطفة». وكانت الفكرة الأساسية في إدارة كارتر هي جيمي كارتر نفسه، كما كتب فالوس. فما هي الفكرة الأساسية في إدارة أوباما؟ إنها التغيير. وما هو التغيير؟ إنه أوباما نفسه.

على العكس من كارتر، فإن أوباما يمتاز بالطاقة والجاذبية. وذكاؤه لا يظهر في الانفعال السريع، ولكنه يمتاز بالهدوء. ومع ذلك فإنه يبدو أنه قد فقد لحظة التعليم الخاصة به. والبلاد تحتاج إلى إصلاح الرعاية الصحية والنجاح في أفغانستان، وكلا الأمرين يسير في الاتجاه الخطأ. يجب إصلاح الرسالة وكذلك صاحبها.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»