حول رئاسة تونس لمنظمة المرأة العربية

TT

المعروف في العالم العربي أن المرأة في تونس تحظى بوضعية خاصة جدا ما فتئت تتطور وتتعزز مكاسبها الحقوقية والقانونية منذ بناء الدولة الوطنيّة المستقلة عام 56 وإلى حد اليوم.

أكثر من نصف قرن هو عمر العناية القانونية بالمرأة التونسية، الشيء الذي جعلها تتميز بالكيان الحر المستقل وتسهم في بناء وطنها وتشارك في خوض معركة التنمية بشكل لافت وفعال. لذلك فإن رئاسة تونس في شخص السيدة الأولى في تونس ليلى بن علي لمنظمة المرأة العربية يعد حدثا خاصا ومغريا من شأنه أن يفتح شهية النساء العربيات وينمي تطلعاتهن كي يستفدن أكثر ما يمكن من التجربة التونسية في مقاربة مسألة المرأة خلال فترة رئاسة تونس التي ستدوم سنتين اثنتين.

فماذا يمكن أن تقدم تونس للمرأة العربية طيلة فترة رئاستها لمنظمة المرأة العربية وهي أكثر البلدان العربية والإسلامية مناصرة لحقوق المرأة ودعما لمطالبها؟

من المؤكد أن السعي إلى نقل البنود الثورية التي تتضمنها مجلة الأحوال الشخصية سيكون من مراكز الاهتمام الأولى، باعتبار أن قوانين مجلة الأحوال الشخصية في تونس تتسم بالجرأة وبالريادة وتعكس عمق المقاربة التونسية لمسألة المرأة. ومع أن محاولة تصدير مضامين هذه المجلة لن تكون بالأمر الهين والسهل إذا ما وضعنا في الاعتبار ارتفاع أصوات الرجعية، فإن مجرد المحاولة وتجنيد الأطراف المؤهلة لإنجاحها يبقى مطلبا أساسيا. وأغلب الظن أن النخب السياسية الحاكمة في أغلب البلدان العربية والإسلامية قد بدأت تتحمس لعملية تطوير وضعية المرأة وآمنت بضرورة الوقوف بجانبها من خلال دعمها قانونيا وإكسابها مدونة حقوقية قانونية تقوي حضورها في المجتمع وتعزز صورتها كفاعل اجتماعي كامل الحقوق والواجبات.

كما أن مجلة الأحوال الشخصية في تونس هي في جوهرها مجلة الأسرة وتدافع عن مؤسسة الأسرة وأفرادها كافة قبل أن تكون داعمة للمرأة. وهي نقطة ستسهل مهمة تصدير المقاربة التونسية القائمة لا فقط على رؤية تحديثية بل وأيضا حاملة لتزكية دينية أكدت عدم معارضة بنود المجلة مع جوهر الدين الإسلامي ومقاصده.

من هذا المنطلق فإن التوقف عند البنود القوية التي أسست لمبدأ المساواة بين المرأة والرجل ومنه الانتقال إلى طموح تجسيد المشاركة الفاعلة بينهما، واجب تونسي إزاء كل امرأة عربية لا تزال مجردة من كيان قانوني يحميها ولم تتذوق بعد حلاوة تقرير مصيرها ولذة الاختيار الحر المسؤول والواعي. وبنفس الجرأة التي أعلنت فيها قوانين مجلة الأحوال الشخصية سواء في مرحلة الحكم البورقيبي أو في مرحلة الرئيس الحالي زين العابدين بن علي، من المهم أن يرتفع صوت تونس في منظمة المرأة العربية مع ضبط استراتيجية علمية تثقيفية وإعلامية كفيلة بتسهيل فهم التجربة التونسية وهضمها والأخذ منها خصوصا أن التغييرات الثقافية العالمية والعناية القوية التي تتمتع بها فكرة الحرية ومنظومة حقوق الإنسان، كل هذا يصب لصالح تأييد عمق المقاربة التونسية لمسألة المرأة، ويؤكد أن حقيقة تصديرها عربيا مسألة وقت لا أكثر ولا أقل.

وإلى جانب مجلة الأحوال الشخصية، تمتلك تونس رؤية جادة ومهمة تتعلق بالمشاركة السياسية للمرأة، حيث وضعت النخبة السياسية الحاكمة هدفا استراتيجيا تمثل في القرار الذي أعلن عنه الرئيس بن علي في خطاب له عام 2004 ذكر فيه ضرورة أن تبلغ نسبة مشاركة المرأة التونسية في مواقع القرار والمسؤولية قبل موفى العام الجاري 30%.

وخلال السنوات الماضية قطعت تونس خطوات لافتة في مجال مشاركة المرأة السياسية، الشيء الذي يجعل من هذا الموضوع بندا مهما يستحق أن تركز عليه تونس في رئاستها الحالية لمنظمة المرأة العربية. فالمشاركة السياسية للمرأة أصبحت اليوم من المؤشرات التي تقاس بها معدلات التنمية في أي بلد.

زد على ذلك أن نسبة مشاركة المرأة العربية في صنع القرار ضعيفة، حيث تقول إحصائيات تعود إلى خمس سنوات خلت، إن المتوسط العربي لتمثيل المرأة العربية في البرلمان يقدر بـ 4.6%. ولا يخفى على المدركين لأهمية مشاركة المرأة في القرار ومواقع المسؤولية أن المسألة أبعد ما يكون عن مطلب مترف، بل إن طرح هذه الإشكالية يصب في جوهر الاهتمام بقضية التنمية وبكيفية استثمار نصف المجتمع. دون أن ننسى أن دعم مشاركة المرأة السياسية يعكس بشكل غير مباشر مقاومة للبعد البطريكي للمجتمعات العربية، باعتبار أن خروج المرأة إلى المجال العام وبالخصوص دخولها الحقل السياسي، يمثل التحديث الأعمق للمجتمعات وتطويرا لمهارات المرأة وتعزيزا لانتمائها المجتمعي.

إذن تونس قادرة على تقديم الكثير في مجال المرأة وتحصين لا فقط المرأة التونسية بل وأيضا العربيات شقيقاتها في الانتماء الثقافي وفي الحلم وفي الطموح.