قبيحة وسليطة اللسان.. ويدها طويلة

TT

في أحد الأيام عندما كنت في لندن اجتاحني حزن غير مبرر، وأحسست بالضيق رغم مباهج الحياة من حولي ـ وهذه الحالة تـنتابني فجأة بين الحين والآخر بدون أية مقدمات ـ إنني أعرف هذه الحالة جيداً، لهذا أحاول بقدر ما أستطيع أن أتحاشى خلالها التعامل مع الآخرين، لأنني لو فعلت ذلك قد أجني عليهم وعلى نـفسي التي تكون في ذلك الوقت (على طرف خشمي) ـ مثلما يـقولون ـ، وعندما تـصيبني تلك الحالة أعمد إلى أسلوبين: إما أن أتمدد على الأرض أو على مقعد طويل وأغمض أجفاني محاولاً النوم، أو أضرب في أرض الله الواسعة بأقدامي دون هدى إلى أن يتعبني المسير.

أما في ذلك اليوم فقد خطر على بالي أن أجرب طريقة مبتكرة علها تكون أجدى، فقررت أن أركب أحد الأتوبيسات الحمراء المشهورة، وفعلاً قطعت تذكرة تذهب إلى نهاية الخط على أطراف لندن، ممنياً نـفسي بالتأمل بالشوارع والعالم والمستقبل.

وصعدت إلى الطابق العلوي من الأتوبيس طلباً للهدوء أكثر، وحمدت ربي أن لا أحد في الطابق العلوي سواي، فقلت في سري: (جاك يا مهنا ما تمنى)، وجلست في الكرسي الأمامي تماماً، وبعدها انـطلق الأتوبيس، وما هي إلاّ دقائق، وإذا بشعور مفاجئ من الخوف يجتاحني، أحسست أنني جالس في مركبة ليس هناك من يـقودها، رغم علمي بأن هناك سائقا في الأسفل يـتحكم بها، وكلما حاولت أن (أزيح) هذا الشعور من مخيلتي، يزداد، خصوصاً إذا ازدادت السرعة ورأيت الناس والسيارات تـتخاطف أمامي.

عندها تحول الحزن إلى قلق ثم تحول إلى رعب حقيقي، فلم أتمالك نـفسي حتى نهضت من مكاني وتوجهت مترنحاً انزل السلم إلى الطابق الأسفل، وعندما توقفنا في أول محطة كنت أول النازلين.

هل تـصدقون أنني ما أن وضعت قدمي على الأرض وبدأت أخطو على الرصيف حتى تـبدد يا سبحان الله حزني، وعدت كما كنت ممتلئا بالمشاغبة، وحب مغازلة كل ما يمت للجمال بصلة ابـتداء بالأشجار وانـتهاء بالأحجار فقط لا غير.

***

فعلاً: إن من يغرس الأشجار لا يـقتصر حبه على ذاته بل يتعداها إلى الآخرين.

ومن أعظم أحاديث الرسول الكريم هو الحديث القائل - بما معناه -: لو قامت القيامة وفي يد أحدكم (فسيلة) من نخل فليغرسها.

المشكلة أنني لا أغرس في حديقة منزلي الخلفية غير الخيار والجزر والكثير من الجرجير، وآكلها وحدي أولاً بأول.

***

- هل يستحسن أن تستثير كلباً، بدل أن تستثير امرأة قبيحة، وسليطة اللسان، ويدها طويلة.

- أعتقد صحيح، اسألوني.