سابقة لكنها متوقعة

TT

لنعترف بنجاحها لولا العناية الإلهية، حيث تعثر الإرهابي وفجر نفسه. صحيح أنها سابقة إنما ليس مستغربا أن تنفذ محاولات اغتيال تستهدف مسؤولين بعينهم، وتحديدا مساعد وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف، لأنه عمليا المسؤول الأول عن ملاحقة الجماعات الإرهابية. فالرجل نجح في هزيمتهم لأعوام متتالية. والبلاد رغم أنها عاشت سنوات هادئة فإنها إلى اليوم في حالة حرب مع الإرهاب منذ نصف عقد.

الجريمة تؤكد ما نعرفه جيدا وهو أن الحرب الخفية مع الفكر أكثر مما هي مع الإرهابيين الأفراد، الذين يعملون كالبغال يربطون المتفجرات حول أنفسهم دون إدراك حقيقي لمعنى استخدامهم. وقد برهنت النجاحات الأمنية على أن الخلايا العديدة، والمئات من الشباب الذين اعتقلوا متورطون، أثبت تكرار النجاح الأمني قدرة الإرهاب على البقاء، وليس العكس. ففي كل مرة يتم القضاء عليهم ينجحون في استيلاد موجات جديدة من الأطفال والكبار والنساء. لماذا؟ العلة كانت ولا تزال في الفكر وسدنته.

الفكر المتطرف، رغم كل ما يقال عن مواجهته، لا يزال العلة، وثبت أن مشروع المواجهة الفكرية فشل في وقت نجحت المواجهة الأمنية.

ضمن استراتيجية سدنة الإرهاب الترويج بأن ليس كل تطرف إرهابا، واستطاعوا بناء طرح غريب يزعم أن التطرف وسيلة لحماية المجتمع من الإرهاب. نجحوا خلال سنوات المواجهة الدامية في إنقاذ الفكر المتطرف وتخليصه من التهمه الكبرى. لكن الحقيقة أن التطرف يهيئ العقول والنفوس والشباب للمرحلة اللاحقة، مرحلة الانخراط في الإرهاب أو تأييده. التطرف خدم الإرهابيين بنشر الكراهية لتبرير جرائمهم. وطالما أن معين التطرف يفيض فإن الإرهاب لن يعطش.

وهناك التباس بين التطرف الإرهابي والتشدد الديني. فالفارق بينهما رفيع، التشدد جزء من المحافظة وحق للفرد، إلى أن يصبح وسيلة تستخدم لتقسيم المجتمع وتكفيره. التطرف يهيئ لفكر الإرهاب عندما يضيق على الغير إلى درجة إقصائه، لأنه يرى، كما كان يرى الإخوان المسلمون في مصر في الستينيات، تكفير المجتمع ومحاربته. وتكفير المجتمع صار أمرا سهلا يبنى على جوانب حياتيه وشخصية وفكرية.

التطرف ينمو، ليس كما يروج عنه، بسبب ممارسات الناس، بل بسبب السماح له أن ينمو. يغذي نفسه من خلال الدعاة والمنشورات والجماعات التي تجد دائما ذرائع للتحريض وخلق حالة عداء مستمرة. باختصار، التطرف هو الذي ينمي الإرهاب. ونخشى أن فشل جماعات الإرهاب في ضرب أهدافها تقرأ خطأ بأن الإرهاب قد قضي عليه إلى غير رجعة، أو صار سهلا منعه، وهذا ليس صحيحا. فالمعلومات الأكيدة أنهم ينمون وينتشرون وقد بنوا قواعد لهم في المناطق المجاورة لتطويق بلد أساسي لهم هو السعودية. رحل أفراد من تنظيم القاعدة من أفغانستان إلى جبال اليمن الشمالية المحاذية. صاروا أكثر تركيزا في استهدافهم، حيث بينت المعلومات الأخيرة أن قوائم المقبوض عليهم حديثا فيها دعاة ورجال أعمال ومهندسون على درجة عالية من القدرة العلمية. إن اصطياد هؤلاء وتحويلهم من أناس عاديين إلى إرهابيين يتم باستغلال التطرف وتسخيره في المرحلة الثانية إلى نشاط إرهابي. أما المرحلة الأولى ففيها يتم تأهيل العقل للرفض والكره، وبعد ذلك يروض لفكر الإرهاب. ومهما قيل وفعل في محاربة الإرهاب لن يختفي بدون تضافر الجميع والتضييق على التطرف، لا السماح له بالتضييق على الغالبية المعتدلة.

[email protected]