السعودية.. أدخلوهم تلك الغرفة

TT

ما أن فرغت من السلام على الأمير محمد بن نايف الذي كان يبدو كما عرفته من قبل في تواضعه، وإصراره على اجتثاث الفئة الفاسدة، حتى بادرني أحد رجال الأمن بالقول: أريد أن أريك شيئا ما!

ذهبت بمعية آخرين، وإذا بنا في المجلس، أو الغرفة، التي وقعت فيها جريمة محاولة اغتيال مساعد وزير الداخلية. منظر مروع، حيث الدماء في كل مكان تقريبا، وفتحة في السقف نتيجة تطاير أشلاء الإرهابي. وهناك منظر لا يمكن أن أنساه، فقد كان الإرهابي على يسار الأمير محمد، إلا أن موقع الأمير بقي غير ملطخ بدماء، وسبحان عناية الخالق.

في ذلك المكان، حيث المنظر المروع، ورائحة الدم، والغدر، كنت أتمنى أن يرى السعوديون ما كنت أراه بالعين. فهذا أمير حوله رجاله، وأفراد حمايته، بكل عتادهم، لكنه قرر أن يقابل منتميا لـ«القاعدة»، ويمنحه الأمن، والعفو، وهو أمر عظيم، دينيا ودنيويا، فيواجه بالغدر. حينها سيلمس الرأي العام خطورة ما حدث، ومدلولاته الجسيمة، ووجوب التصدي له، ليس على مستوى الدولة، بل انطلاقا من المنزل أيضا.

وكم أتمنى، وإن كان المكان كما رأيته مسرحا لخبراء البصمات وغيرهم، أن يصور الموقع، وتبث صوره تلفزيونيا للرأي العام السعودي، ليرى الناس كيف تولى الله برحمته الأمير، كما يرون كيف أن يد الغدر قد تمادت، وباتت خطرا لا مناص من استئصاله من جذوره.

واليوم في السعودية هناك نقاش بحجم الصدمة، تطغى عليه الأسئلة، لا الأجوبة، وهذا أمر جيد، فالأسئلة أحيانا خير علاج للمصدوم، والسعوديون يعيشون صدمة، كيف لا والأمير محمد بن نايف رجل عرف عنه العمل بعيدا عن الأضواء، ولا يسعى لتسجيل مجد أو شهرة شخصية، وهو رجل مؤمن بالدولة، وقيمها، وما قامت عليه. قال لي ذات مرة «تجادلوا أنتم يا أهل السياسة كيفما أردتم، أما أنا فقناعتي أن تكون السعودية صاحبة رسالة تسامح، وصديقة لكل مسلم في أي مكان على الأرض».

ولذا فلا بد أن نحفز المواطن اليوم على طرح التساؤلات، مثل: لماذا يقبل الحاكم أن يطور نظام حكمه، من مجالس المناطق، والشورى، إلى هيئة البيعة، وهي أمر البيت الحاكم، بل وأمر حساس جدا، ولماذا يقدم الملك على تغييرات كبرى في مرافق حيوية تطال حياة الناس، والبلاد، من القضاء، إلى الوزارات الأخرى، ثم يخرج علينا من لا يقبل القول بتطوير التعليم والمناهج، ولا يقبل بتنقية الخطاب الديني من أي شوائب. وليس المقصود إقصاء الدين من حياة الناس، فهذا أمر مستحيل، بل وعبث، وإنما المقصود هو الخطاب المتشدد الذي يأتي مرة باسم الوسطية، وأخرى باسم الثوابت، من أجل تحريم كل شيء، وتكفير كل من يريد التطور؟ ولماذا لا يقوم المحتسبون، ونحن ممن يحسنون الظن بهم، كجزء من عملهم، بمطاردة الإرهابيين كما يطاردون الشباب الصغار لأسباب دنيوية، أو خلل في المنظومة القيمية التي يجب أن تعالجها الأسرة والمدرسة؟

أسئلة تستحق أن تطرح.. أجلسوا وناقشوها!

[email protected]