حمار الفلاسفة وعذاب الغزالي!

TT

عندنا تعبير شعبي يقول: اضرب دماغك في الحائط.. يعني لا يهم ما سوف تفعله.. وليس أمامك إلا أن تضرب دماغك.. وكثيرا ما يشعر الإنسان برغبة في أن يضرب دماغه في الحائط لعل شيئا من الأفكار تتساقط.. فهو لا يجد ما يقوله ولا ما يفعله.. ويصبح عاجزا عن أي شيء.. ولا إرادة له في اتخاذ أي قرار..

ويقول فلاسفة العصور الوسطى: إن الحيوانات لها إرادة. فكيف لا يكون للإنسان إرادة في أن يفعل أي شيء. وقد أتوا بحمار.. ووضعوا أمامه الشعير والماء.. وأوقفوا الحمار في وسط المسافة بين الماء والطعام.

فما كان من الحمار إلا أن راح يهز رأسه.. فهو في حيرة يريد الماء ويريد الطعام ولا يدري بأيهما يبدأ. ووصفوا هذه الحالة بحالة (حمار الفلاسفة)..

وهي ليست نكتة. ولكنها حقيقة. وليس الحمار فقط هو الذي يحار ولا يدري بأي شيء يبدأ. نحن قد مررنا بمثل هذه الحالة كثيرا وعجزنا عن الاختيار بين أمرين كلاهما ضروري وكلاهما صعب. بل إن حجة الإسلام الإمام الغزالي وصف هذه الحالة وصفا دقيقا رقيقا بين حيرة العقل وشطحات القلب.. بين الفكر والذوق.. بين الفكر والتصوف حتى أصيب الإمام الغزالي بالعجز تماما عن الكلام وقال إن الله قد أقفل عليه لسانه. وعندما حاول أن يقوم بالتدريس لم يجد ما يقوله ولا استطاع.. وأصيب بما يسميه علماء النفس بـ«الحُبسة الكلامية» ـ بضم الحاء.

ومرض الغزالي وحار في أمره الأطباء.. وتسلل إلى دمشق وأتم فيها سنتين في عزلة وتأمل وعجز عن الفرار والكلام وذهب إلى القدس وكان يذهب إلى مسجد الصخرة ويغلق الباب عليه حتى فتح الله عليه.. وانحلت عقدته وانطلق لسانه وقلمه واستعاد أبهته الفلسفية والصوفية ـ اللهم اهدنا!