لماذا لا ننهار؟

TT

من أصعب الشعارات التي يمكن ترويجها سياسيا هو شعار: «كان يمكن للأشياء أن تصبح أسوأ من ذلك». لا عجب إذن إذا ما كان الرئيس الأميركي باراك أوباما، يجد صعوبة في الدفاع عن خطة التحفيز الاقتصادية.

فإذا لم تتصرف الحكومات حول العالم بما فيها حكومتنا بشكل مكثف ونشط ـ ولم تسرف في إنفاق الأموال ـ يمكن أن يتحول الموقف الاقتصادي شديد السوء إلى جائحة.

ولكن لأننا تجنبنا الجائحة، أصبح ذلك إنجازا غير مرئي؛ فالكثير ممن أنقذتهم الحكومات خاصة في مجال البنوك، وقطاع الشركات لا يريدون أن يعترفوا بمدى أهمية الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، فيحاول الأشخاص الذين لديهم أيديولوجيا مناهضة للحكومة أن يتظاهروا بأنه لم تكن هناك حاجة للتدخلات الجدية.

ومن ثم، سوف يعود الجميع لكي يتذمروا من ارتفاع معدلات عجز الموازنة وعيوب الحكومة، وكأن شيئا لم يكن، وهذا هو ما يخلق مشكلات بالنسبة لأوباما فيما يتعلق بالرعاية الصحية.

ويعد رئيس الوزراء الأسترالي كيفن رود، من أكثر المتعاطفين مع رئيسنا، حيث يحاجج بأنه إذا لم تضخ حكومات كبرى الاقتصادات العالمية ما يزيد على 5 تريليونات دولار أميركية إلى الاقتصاد الحكومي «وغيرها من الإجراءات المشتركة فربما يتكرر ما حدث في الثلاثينات».

ويقول رود، في لقاء أجرى معه الأسبوع الماضي: «في مارس (آذار) من العام الحالي، كان العالم على وشك المرور مرة أخرى بفترة تشبه الكساد الكبير، ولكن ما حدث بعد ذلك يعد وضعا ملائما لدراسة كيف تم إنقاذ العالم من على شفا تلك الهاوية، وكان الرئيس أوباما هو الشخصية المحورية في ذلك». ويتشابه رود مع الرئيس أوباما في الكثير من الأشياء، ليس فقط لأن كلاهما يعتمد خطابا فلسفيا، بل لأن الانتخابات الأسترالية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2007 كانت مبشرا بفوز أوباما كذلك، فقد حل قائد حزب العمال من وسط اليسار محل أحد الأصدقاء المقربين للرئيس جورج بوش، وهو رئيس الوزراء المحافظ جون هوارد، من خلال رفع شعار التغيير واعتلاء موجة الجيل نفسه، الذي حمل صديقه الأميركي.

وعلى الرغم من أن رود، يثني على أوباما، فإنه يثني كذلك على بوش، نظرا لأدائه المرن عندما بدأ الاقتصاد العالمي في التراجع في خريف 2008. وقد أوضح رود في الخطاب الذي ألقاه في حوار «القيادات الأسترالية الأميركية» أن بوش كان يتخذ القرارات في ظروف كارثية، وفي اللحظة التي «توقفت فيها التدفقات المالية العالمية». وفي الحقيقة وعلى الرغم من القصور الذي شاب تنفيذ برنامج خطة الإنقاذ المالي للمصارف، فإنه سوف ينظر إلى رغبة بوش خلال الخريف الماضي في إعطاء الحاجة إلى اتخاذ إجراءات كبرى أولوية على معتقداته الأيديولوجية على أنها أهم خطوة بناءة خلال فترة رئاسته.

ويقول رود، إنه في الشهور الأخيرة من إدارة بوش، والشهور الأولى لإدارة أوباما، كانت كافة المؤشرات الاقتصادية تشير إلى حدوث «كارثة». يقصد وجود مصارف خالية من النقد، وتم تجميد الائتمان، الذي يمنح إلى شركات التشييد، ورعب بين المدخرين من الأفراد.

ويضيف رود، أن ما منع تكرار ما حدث في الثلاثينات هو أن الحكومات العالمية قد تعلمت بالفعل من دروس تلك الفترة، خاصة من كتاب «مداولات حول الكساد الكبير» لجون مينارد كينيس، الذي أكد فيه الاقتصادي البريطاني على وجوب اتخاذ الحكومة لإجراءات في اللحظة التي يتداعى فيها اقتصاد القطاع الخاص.

وإذا جاز لنا القول، فإن ظروف رود ربما تكون أفضل من ظروف أوباما، فقد بلغ معدل البطالة في أستراليا في يوليو (تموز) 5.9 في المائة مقارنة بـ9.4 في المائة في الولايات المتحدة، وعلى الأقل استطاعت أستراليا حتى الآن تجنب الكساد الاقتصادي.

كما أن سلف رود المحافظ، كان بخلاف أوباما، لديه مسؤولية مالية وقد أوضح وزير الخزانة الأسترالي واين سوان، أنه حتى بعد خطة تحفيز الاقتصاد الحكومية الكبيرة، وصل عجز الموازنة إلى 4.9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2009 ـ 10. كما يقول سوان، إنه في عام 2009 سوف يصل عجز الموازنة الأميركية إلى 13.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.

ثم هناك الاختلافات الكبرى في المواقف السياسية المحلية: فأستراليا لديها بالفعل نظام وطني للرعاية الصحية، مما يعني أن رود كان قادرا على التركيز على الاقتصاد، وعلى تشريعات الحد من تلوث البيئة، بينما وجد أوباما نفسه يصارع في خندق الرعاية الصحية.

ولكن سوان كانت لديه بعض كلمات التشجيع لأوباما، فيقول سوان في لقاء أجري معه، إن الصراع على تغطية التأمين الصحي الذي قادته الحكومة في أستراليا خلال السبعينات والثمانينات «كان صعبا للغاية بما يضاهي ذلك الجدل الدائر حاليا في الولايات المتحدة». وأضاف: «بعد ثلاثين عاما سيكون لدينا هذا النظام الذي يعد من أكثر الأنظمة فعالية في العالم أيا ما كانت الثغرات به». وبمعنى آخر، فما إن يبدأ تنفيذ ذلك البرنامج، حتى تصبح التغطية الصحية التي تضمنها الحكومة مكسبا اجتماعيا غير قابل للشك. وسوف تتحسن فرص أوباما في تأمين مثل هذا النصر، إذا ما تجاوز البروباغندا الانعكاسية المناهضة للحكومة التي تتجاهل كيف استطاعت الحكومات حماية الاقتصاد العالمي من السقوط في الهاوية. وفيما يتعلق برود فلديه الدليل.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»