رجل الطمأنينة

TT

أمضيت معظم الأشهر الماضية ما بين الرياض وجدة، وهي أطول مدة أقضيها هنا منذ أن جئت زائرا العام 1964 لإجراء المقابلة الأولى مع الملك فيصل بن عبد العزيز، يوم كانت الحرب تنخر اليمن المجاور، وإيران الشاه تهدد الخليج، وآسيا الإسلامية يخضها الصراع الأميركي ـ السوفياتي. وبعد 45 عاما لا يزال الجوار العربي غارقا في الدماء، ولا يزال المدى الإسلامي يتطلع إلى الرياض، وهو يزداد خوفا على نفسه.

في المجالس والمنتديات المختلفة والمتنوعة، تدور النقاشات، كما في كل مدينة عربية، حول مخاوف وآمال هذه الأمة. حول الإخفاقات الكثيرة والبوادر النادرة. حول فلسطين الممزقة ولبنان المنهك. حول الأزمة الاقتصادية العاصفة التي ضربت الخليج دون أن تؤذي السعودية بذلك القدر. والسعوديون الذين يبسملون ويحمدلون لمجرد شروق الشمس أو حبة تمر مع حليب النوق، كانوا يحمدون باستمرار على النعم الأكبر: النمو الاقتصادي ومرحلة الهناء في ظل عبد الله بن عبد العزيز، والمشاريع العمرانية والعلمية التي تتزايد كل يوم، وخصوصا على الأمن.

إنهم، بعكس الدول العربية الأخرى، يقرأون عن المطلوبين بعد اعتقالهم أو بعد أن يسلموا أنفسهم. ويرون صور الأسلحة في المخابئ بعد كشفها وقبل استخدامها. وفي الآونة الأخيرة ازداد عدد «التائبين»، العائدين إلى كنف الدولة والقانون. وبدلا من الرمي في السجون يعطى كل عائد منزلا وموازنة عائلية وإعادة تأهيل. وصاحب اليد التي كانت تظهر الحزم واليقظة كان صاحب اليد التي تتولى إعادة التأهيل.

وخلال السنوات الماضية بنى محمد بن نايف لنفسه صورة رجل الطمأنينة في قلوب السعوديين. وفي بلد مترامي الأطراف، شاسع الحدود والصحارى، بسط الأمير الشاب شبكة أمنية مثيرة للإعجاب والتقدير. وخلت المدن الكبرى من مظاهر السلاح الأمني، لكن أهلها وثقوا بأن ثمة أعينا تحرص على أمنهم وعلى كرامتهم معا. فالأمن، حتى بهذه الدرجة منه، لم يعن في أي لحظة مضايقة الناس ولا التذرع بالخطر لمخالفة القانون. وقبل عام قال لي الأمير نايف، وهو يتحدث عن أخطر مرحلة تديرها وزارته: «مهما بلغ ذنب المطلوب، فالقضاء وحده يحكم في أمره».لكن يبدو، للأسف، أن العنف يولد لغة واحدة هي العنف. محاولة الاعتداء على حياة محمد بن نايف يوم الخميس الماضي، فيها خساسة في التخطيط وسقط في التنفيذ، وفيها اعتداء على كل أنواع التقاليد والأعراف. ولكن حتى في هذا المشهد انتصر محمد بن نايف على مهاجمه. بسلاحه قتل. وبعبوته تفجر. ومع محمد بن نايف ازداد البلد اطمئنانا.