الفرصة تفوت على أوباما

TT

الشائع عالميا أننا قوم قساة برابرة والغربيون أصحاب الإنسانية والعطف. سبحان مغير الأحوال! ففي القرون الوسطى بعث أحد السفراء العرب المبعوثين لأوروبا برسالة إلى الخليفة يصف فيها الإفرنج بأنه وجدهم قوم قساة واستشهد بعيونهم الزرقاء. فالزرقة عند العرب، كما ذكر أستاذنا الأب أنستاس الكرملي، من علائم الشر. ما علينا غير أن نتذكر قسوة الأوروبيين فيما فعلوه في الحربين العالميتين. لم يحدث قط طوال تاريخنا أي شيء يمكن أن يقارن بذلك من قريب أو بعيد.

مما يجهله الكثيرون أن كلمة «الرحمة» الإسلامية ليس لها مرادف في اللغات الأوروبية. حتى كلمة mercy الإنجليزية لا تحمل ما تحمله كلمة الرحمة من معان وأبعاد روحية وأخلاقية. وهي تشكل ركنا أساسيا من ديننا وتراثنا. نصف الخالق عز وجل بالرحمن ولا نبدأ بشيء إلا ونقول باسم الله الرحمن الرحيم. رأى مسافر راكب رجلا متعبا يشير إليه بيده أن يسعفه بتوصيلة على حصانه. فتوقف ونزل ليأخذه معه. قال له اركب أولا لأركب وراءك. ركب ولاذ بالحصان هاربا. نادى عليه صاحبه: «ويك اسمع! أنت أخذت الحصان. ولكنك ستقطع الرحمة في قلوب الناس». سمع اللص بذلك فوقف وعاد بالحصان إلى صاحبه. هذه قوة مفهوم الرحمة عندنا.

أخذنا مثالا آخر من قسوة الغربيين وعيونهم الزرق، كما وصفها الرئيس البرازيلي مؤخرا، في حكاية المقرحي. هذا رجل مريض بمرض الموت ويعاني من آلام السرطان ما نعرف. وسبق أن قضى عشر سنوات من حكمه في ديار الغربة وحيدا وبعيدا عن أهله وذويه. وحكمه مشكوك فيه. هناك عريضة استئناف مطروحة الآن أمام القضاء. ودفعت ليبيا الملايين دية عمن قتلوا. بيد أن أمريكا تصر على إبقائه في السجن. أين ذهبت «إنسانيتهم»؟ تسود المسيحية الأصولية بينهم الآن. كيف نسوا حكاية السيد المسيح عندما أوقف القوم عن رجم زانية وقال من لا يحمل إثما فليرجمها. فلم يتقدم أحد. وهذا ما أقوله للأمريكان. الأمريكي الذي لا تلطخ يده دم الشعوب الأخرى ولا يحمل إثما تجاهها فليطالب بسجن المقرحي.

تزامن القرار بقضية المقرحي مع شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة والمغفرة. تكلم الرئيس الأمريكي في خطابه في القاهرة عن فتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي. وجاءت فرصته. كان بإمكانه أن يكسب قلوب كل المسلمين في أفريقيا بالدعوة للإفراج عن المقرحي احتراما لهذا الشهر المجيد. لم يفعل بل وكتب يشدد على دوام سجنه وعذابه. الرئيس أوباما، ككل رئيس أمريكي، أسير بيد اللوبيات.

أسوأ ما في هذه الحكاية تردد القول بأن بريطانيا عصت على أمريكا (على غير عادتها) وأفرجت عن السجين لا إنسانية ولا شرعية وإنما طمعا بالمقاولات المطروحة في ليبيا الآن. هذه هي أخلاقية اقتصاديات السوق الرأسمالية. ليست الإنسانية ولا الرحمة، وإنما الفلوس قبل كل شيء.

www.kishtainiat.blogspot.com