النظارة السوداء

TT

أول سطر في رواية الروائية الإنجليزية، جين أوستن، الكبرياء والعاطفة يقول: إنه من المتعارف عليه، أن كل أعزب يبحث عن زوجة وكل فتاة لم تتزوج تبحث عن زوج.

كثيرا ما أتذكر هذا السطر وما ينطوي عليه من حكمة بسيطة ومباشرة، وهي أن الزواج ضرورة حياتية للجنسين، وأن كل نصف يبحث غريزيا عن نصفه الآخر لكي تستقيم الحياة.

لكنني ومن خلال عملي، الذي امتد قرابة ثلاثين عاماً، اصطدم يوماً بعد يوم بالمشاكل الزوجية التي تقوض استقرار الرجال والنساء بسبب نكران الفضل بينهما، فهذه زوجة تستكثر أن توظف جزءاً من راتبها لتحسين مستوى المعيشة في البيت، وهذا زوج يعتبر أن الزوجة ماكينة صرف للراحة والمتعة، لكن لكونها في نظره آلة فهي مجردة من الإحساس والشعور والإرادة أيضا.

أحيانا تكون الحقيقة واضحة وضوح الشمس، لكن أغلب الناس يفضل أن يرتدي النظارات القاتمة ويشيح بوجهه بعيداً عن مصدر الضوء، ثم يشكو من الظلام، والدليل على ذلك رسالة وصلتني من زوجة عربية شابة تقول إنها نشأت في دولة أوروبية بسبب عمل والديها، ومن ثم حصلت على حق الإقامة الدائمة وجنسية البلد الذي ولدت فيه. وحين كبرت وبلغت الثانية والعشرين تقدم لها خاطب من أبناء وطنها الأصلي وسأل عنه والداها وأقرا بحسن خلقه واعترفا بأنه كفوء لها فزوجاه. كانا يعلمان أنه طالب علم لا يمتلك أوراق الإقامة الدائمة وحق العمل في الدولة، لكنهما قبلا به، لأن كل فتاة لم تتزوج بحاجة إلى زوج وكل شاب لم يتزوج يحتاج إلى زوجة. وهنا تبدو الأمور متوازنة حقا ولا فضل لزيد على عبيد.

بعد الزواج وعملا بقوانين الدولة المذكورة، حصل الزوج على حق الإقامة والعمل، لأن زوجته مواطنة، ولم يكن يعلم أن أصهاره سوف يتخذون من هذا الواقع ذريعة لتصغيره والمن عليه في كل فرصة ممكنة. ووجدت الزوجة الشابة نفسها بين المطرقة والسندان. فهي باعترافها سعيدة مع زوجها، لأنه على حد قولها إنسان ممتاز يعاملها بود واحترام ويلبي احتياجاتها كما أمر الله، لكن موقف والديها خلق عندها صراعاً نفسياً، لأنها لم ترد أن تعق الوالدين ولم تشأ أن تظلم الزوج الذي لم يظلمها. وحين مل الزوج من المن والأذى طلب منها أن تصحبه إلى الوطن الأصلي، حيث يمكنه أن يبني معها حياة مستقرة بعيداً عن مصادر التوتر. ووافقت الزوجة. ولأنها وافقت قاطعها أهلها.

بعد عام من القطيعة طلبت من زوجها أن تصل رحمها فشجعها. وحين اتصلت عاملها الأهل ببرود وافترضوا أن زواجها تعثر، ولذلك عادت لكي تطرق أبواب الأسرة. فتجددت أحزانها. وكتبت مستفسرة: هل اكف عن المحاولة؟

غاب عن هذين الوالدين أن زواج ابنتهما في ظروف اغترابهما هو نعمة كبرى يجب الحفاظ عليها. وغاب عنهما أن فضل الزوج على الزوجة كبير كبير.

كثيرا ما نسمع أن حسن التبعل هو طريق المرأة المتزوجة إلى رضا الله. ولو حسن إسلام الرجل لأدرك أن إكرام الزوجة هو أيضا سبيله إلى رضا الله. فلا يتبقى سوى أن نذكر الآباء والأمهات بالمثل القائل «إن كبر ابنك خاويه». ولا شك أن الإخاء لا يتضمن التحريض أو إنكار الفضل. وويل لوالد يغلق بابه من دون خاطب فتبقى ابنته بلا زواج لاعتبارات الجاه والغنى والحسب.