شكلوها.. وخلصونا!

TT

أبارك للبنانيين هذا الإنجاز السياسي الجديد، فالآن «رسميا» أصبح رئيس الوزراء المكلف، سعد الحريري، هو صاحب المدة الأطول في تاريخ لبنان السياسي، التي استغرقت لتشكيل الوزارة، وطبعا حتى كتابة هذه السطور، والأغلب حتى نشرها وقراءتها، لن تكون هناك حكومة قد تم تشكيلها. أعتقد أن الوقت قد أزف لأن «يتحرك» سعد الحريري ويتجاوز المهاترات الصغيرة التي يطلقها الخاسرون في الانتخابات الذين يصرون على تعطيل التشكيل الحكومي واللعب بغير قوانين اللعبة المتعارف عليها، وهي أن يكون بأي حكومة «توافقية» أشخاص حصلوا على الحد الأدنى من الجدارة والمصداقية الشعبية المتمثلة رمزيا بالفوز في الانتخابات! سعد الحريري بذل جهدا كبيرا وحاول تقريب وجهات النظر بين فرقاء الأمس في محاولة لإيجاد مناخ جديد وإيجابي لنقل لبنان من مرحلة إلى أخرى على الصعيد السياسي المتوتر. إلا أن الحريري ظل يفاجأ بمواقف ميشال عون، وحزب الله، المماطلة وصاحبة الشروط المستحيلة، وخصوصا من جانب الجنرال الذي لا يزال أسير صدمة نتيجة الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي قلصت من تأثيره في الشارع، وأسقطت حجم مكانته التي كانت. ومن بعدها فوجئ الحريري بموقف غريب آخر، وهذه المرة جاء من أحد أهم حلفائه، وتحديدا في تصريحات النائب والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي أعلن فيها صراحة رغبته في الخروج من تكتل «14 آذار»، وعلى الرغم من محاولاته بعد ذلك «لترقيع» ما قاله، فإن الضرر قد وقع بلا شك.

سعد الحريري لا يزال يحاول تنفيذ حلم رومانسي بأن يكون «الكل» معه في وزارة توافقية، إلا أن الواقع اللبناني دائما ما يذكرنا بأن المسألة غير ذلك، وأن هناك فريقا لا يأبه بالتوافق بقدر شغفه بالسلطة نفسها. سعد الحريري مطالب الآن بتشكيل الحكومة اللبنانية بمن حضر، لأن «عطلة» التشكيل بطولها واستمرارها تصيب شعبيته، وقد تعرض هيبته وزعامته المكتسبة بالشرعية الانتخابية إلى حملات من القلق والتشكيك، وهذا ضرر أكبر وأخطر. تشكيل الحكومة الآن بمن وافق على الانضمام إليها بالصيغة الموضوعة على الطاولة ستجبر الجميع على التعامل مع «أمر واقع»، وأن الأصوات المعترضة اليوم ستستمر في الاعتراض، وبالتالي لن يكون هناك تغيير كبير ولا تهديد حقيقي، ولكن الفراغ الحاصل الآن تحول إلى مشهد حزين يؤدي إلى «سهولة» انتقاد الفريق الانتقالي وإثارة فكرة «عدم القدرة» على توحيد البلاد، والبدء في حملات تدعو إلى سحب الصلاحية وغير ذلك (وقد يكون هذا عز الطلب للبعض).

سعد الحريري بتشكيله الفوري للحكومة في لبنان سيحقق أكثر من هدف بالغ الأهمية، ولعل أهمها وأبرزها هو الانتقال من حال الهرج الحاصل الآن إلى حال العمل والحكم وترك من يريد الجعجعة خارج الإطار لأنه ببساطة لا مكان له في دائرة الجدية والثقة والمصداقية. موضوع تشكيل الحكومة اللبنانية طال أكثر مما يجب واستهلك الوقت والجهد وآن الأوان للصرامة والجدية وإنهاء وضع غريب وشاذ.

[email protected]