فول يا عرب

TT

إذا قدر لك أن تقطع الطريق في عصاري رمضان سالما إلى الجانب الآخر من الشارع، فلا يدهشك «الطابور» الطويل الممتد، فالناس لا تلتزم بـ«الطابور» إلا أمام الفول، وأي خروج عن «الطابور» يكفي لإشعال معركة تتطاير فيها الأطباق، و«الزبادي»، و«العُقل»، والعقول، وبحسب رأي المختصين في شؤون الفول فإن خصومته تمتد أربعين يوما، ولست أدري كيف نمت علاقتنا مع الفول، رغم أننا لا نزرعه ولا نحصده، وأغلب الظن أنه جاءنا عبر إخواننا ـ على الضفة الأخرى من البحر ـ السودانيين والمصريين، ولكن انطبق علينا المثل «جا يطل غلب الكل»، وإلينا ـ بحسب أرجح الأقوال ـ يعود الفضل في تدليل الفول، وتطويره، و«هرسه» و«تدليعه»، وإغراقه في السمن، وخلطه بالتوابل والبهارات، وقد رفض المعلم حنفي الجحش، أشهر فوال في القاهرة هذه المقولة، حينما نقلتها إليه، وكادت تنشب بيني وبينه معركة بسبب الفول، وهو يصيح في وجهي:

ـ «كل شيء إلا الفول»!

ولم ينه الخلاف بيننا إلا تدخل أحد الشوام محتدا، وهو يقول:

ـ «ما فول إلا فووووول الشام»

يومها اكتشفت درجة خطورة عصبية الفول، فالناس يمكن أن تتسامح في أشياء كثيرة إلا الفول.

وأشهر بائع فول في جدة القديمة العم عبد القادر أمير، وهو أحد فتوات المدينة، كان يجلس في عصاري رمضان على دكة دكانه المرتفعة، وأمامه جرة فوله، والناس أسفل منه، فإذا ما ضاق ذرعا بزبون مشاكس قرع رأسه بمغرفة الفول الطويلة، وحرمه من الفول لفترة قد تمتد لأسبوع، لا يقبل خلالها ـ رحمه الله ـ وساطة ولا رجاء، وكان البعض يسمي ذلك الأمر بحصار الفول!

ومن النظريات التي يتداولها العارفون في شؤون الفول أنه أكبر مساعد على النسيان، وشعارهم حينما تواجه أحدهم أية مشكلة: «أدّيها فول تزول»، والحق أن سر الفول «باتع» في تحقيق هذه الغاية، فهو يوصلك خلال دقائق معدودة لدرجة من «التناحة» يغبطك عليها أكلة اللحوم في العالم.

وفي شارع «إدجوارد» اللندني لم يجد صاحب المطعم اللبناني الذكي عبارة تستقطب السياح من بني قومه سوى «فول يا عرب»، وكانت العبارة السحرية التي جلبت له الكثير من الزبائن، فكلنا أمام الفول عرب.

[email protected]