لماذا تفشل خطة أوباما للرعاية الصحية؟

TT

في بادئ الأمر، بدا مقبولا أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لديه مشكلة في توصيل فكرته بشأن الرعاية الصحية، حيث كان الحل دائما المزيد والمزيد من المحاولات لشرح الفكرة. لكن عرضها على الجمهور لم يترجم إلى إقناع.

ثم بدا بعد ذلك أن من الأهمية بمكان تشخيص مشكلة التزمت الحزبي ولوم الأقلية الصغيرة من المعارضين في الكونغرس وأعضاء مجالس المدن الذين يثبطون من عزيمة الأغلبية. حتى جاء الاستطلاع الذي أظهر أن الغالبية يعارضون الخطة الديمقراطية لإصلاح الرعاية الصحية. ويعتقد الكثير من الأميركيين (بحسب استطلاع الرأي الذي قامت به صحيفة «واشنطن بوست» وقناة «إيه بي سي» الإخبارية) أن جودة الخدمات الصحية وتكاليفها وأن تغطية الضمان الخاصة بهم ستزداد سوءا في ظل الرعاية الصحية التي اقترحها أوباما أكثر من اعتقادهم بتحسنها. حقيقة الأمر، أن أوباما لديه مشكلة حقيقية بشأن الرعاية الصحية بدأت تهدد موقفه كقائد. وقد راهن الرئيس أوباما بنجاحه في بدايات فترة رئاسته ـ وربما رئاسته ككل ـ على خطة الرعاية الصحية التي تتسم بالغموض وإثارة الخلاف والتي نجحت في إغضاب صقور عجز الميزانية والليبراليين الذين يعتقدون أن التسوية قد وصلت إلى مدى أبعد مما ينبغي. وقد كانت خطة الرعاية الصحية لأوباما بمثابة نسخة سياسية من قنبلة نيوترونية صرفت مناصريه من حوله في الوقت الذي تركت فيه كل العقبات الهيكلية في موضعها.

اعتقد أوباما ـ ليس من دون سبب ـ أن ثقله السياسي غير عادي، وأن شعبيته كبيرة، كما ظن أن مناخ الأزمة الاقتصادية ربما يترك الأميركيين منفتحين على أسلوب طريقة روزفلت الاجتماعية.

بيد أن ذلك كان سوء تقدير، فالأميركيون ليسوا محبطين أو أن من السهولة إقناعهم كما كانوا خلال فترة الاتفاق الجديد. فقد أدى الإنفاق الضخم الذي أراد أوباما من ورائه استقرار الاقتصاد إلى استنزاف الخزانة أيضا، وهو ما يزيد من صعوبة اقتراح نفقات جديدة. وقد أدت التقديرات بوصول العجز في الميزانية إلى 9 مليارات دولار خلال السنوات العشر المقبلة إلى إثارة التوقعات، بحسب وارنت بافت مؤلف كتاب «جمهورية الموزة الأميركية»، بطباعة النقود إلى ما لا نهاية وارتفاع معدلات التضخم وهجرة المستثمرين الأجانب. وفي الوقت ذاته ظلت الثقة العامة في الحكومة «في أدنى حالاتها» فيقول ويليام غلاستون من معهد بروكينغز في مقابلة: «على الرغم من أن ارتفاع شعبية الرئيس أوباما كانت في أعلى معدلاتها، تدنت الثقة في الحكومة في شهري مارس (آذار) وأبريل (نيسان) ولم تترجم شعبية أوباما الشخصية إلى إيمان بكفاءة وتكامل الحكومة». إضافة إلى ذلك، حقيقة أن أحد أهم المصادر الرئيسية لتمويل إصلاح خطة أوباما في إصلاح الرعاية الصحية هو ترشيد النفقات فيها، مما جعل العديد من كبار المسؤولين يعربون عن قلقهم من أن يعني خفض التكلفة المقترح في هذا البرنامج تقييد الخدمة في نهاية المطاف. ولن يكون من الجيد أن تستخدم تلك التخفيضات في نفقات الرعاية الصحية لتمويل مطالب شخص آخر بدلا من تقوية الرعاية الصحية ذاتها. ولا يزال أنصار الحزب الديمقراطي مصرين على إمكانية الإصلاح، عبر استراتيجية العمل دون مساعدة من أحد. لكن لماذا لا نحاول أن نجني الفائدة السياسية من خلال إسعاد القاعدة الشعبية؟ ألم نشاهد في عامي 1993 و1994 تكلفة الخروج خالي الوفاض في الإصلاح الصحي؟ نتمنى ألا يحدث الأمر مرة أخرى. إن الالتزام الحزبي والتحول الديمقراطي للرعاية الصحية الأميركية في هذا الجو ـ في وسط مناقشة عامة مثيرة للشقاق ـ سيعمل على تعاظم الراديكالية المتعطشة للقوة والمزيد من ليبرالية روبرسبيري بصورة أكبر من ليبرالية جيفرسون. وسوف يحدد خيار أوباما حول الرعاية الصحية خلال الأسابيع القليلة المقبلة الكثير بشأن طبيعة ومسار رئاسته. وفي النهاية ينتهي الأمر إلى السؤال: هل سيقوم أوباما بالتعديلات الاستراتيجية قبل الإذلال السياسي أم بعده؟

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»