الحكومة العراقية تصارع لبقائها

TT

نحن بصدد أول أزمة دبلوماسية في عهد النظام العراقي الجديد مع الجارة السورية، على اعتبار أن الجانب الأميركي كان الطرف الفاعل مع مشاركة العراقيين في الأزمات الماضية. وأهمية هذه الأزمة أننا نراقب فيما إذا كانت الحكومة بالفعل قادرة على التعامل معها بعد أن تقلص الدور الأميركي وصارت أمام شعبها مسؤولة مسؤولية شبه كاملة. أي إن حكومة نوري المالكي تصارع من أجل بقائها لأن الانفجارات موجهة لها بعد أن كانت موجهة ضد الأميركيين.

 والمؤشرات عديدة على أن الأزمة عميقة وخطيرة بدليل أن خلافاتها ظهرت علنية وعلى المستوى الرئاسي. وبقي الجانب الأميركي صامتا على اعتبار أنه نقل المسؤوليات السياسية والأمنية وخرج من المدن العراقية، ورحل من دائرة المنطقة الخضراء بما تعنيه رمزيا، لكنه مع هذا لا يزال طرفا أساسيا خلف الستار. كانت هناك لقاءات أمنية سورية أميركية، هل انتهت باتفاق أم اختلاف؟ وماذا جرى بين وفد رئيس الوزراء العراقي والجانب السوري في دمشق قبيل الانفجارات بأيام قليلة؟

وما نعرفه أن الشأن الأمني العراقي لا يزال الموضوع شبه الوحيد على طاولة الأميركيين، حيث يتجاهلون في أحاديثهم مع السوريين والإيرانيين أي شأن آخر حتى في لبنان وفلسطين، ربما إلى درجة كانت تزعج الأطراف المقابلة الأخرى مثل السوريين. مع هذا الحرص حدثت انتكاسات مثل الانفجارات السبعة في العاصمة التي أعادت الأمور إلى مرحلة أبو غادية، وهو الرجل الذي شنت بسببه معركة عسكرية على الحدود عندما هاجم الأميركيون منطقة داخل الأراضي السورية وقيل إنهم خطفوه، كما قيل إنه قتل في نفس المكان، واستخدموه الأميركيون دليلا على أن عمليات المقاومة في العراق تدار من وراء حدود الجارة الشمالية.

الأمن العراقي قضية الجميع، حيث تتهم أيضا إيران، التي لا تتجرأ الحكومة العراقية على أن تسميها بالاسم عند الحديث عن سلسلة العمليات الإرهابية التي تنفذ في الداخل. ولا يوجد لبس أو شك، فالأمور واضحة بعد سنوات من الإرهاب في العراق جمعت خلالها معلومات وضبطت متفجرات وقبض على مسلحين وصارت الصورة واضحة عند المسؤولين في بغداد، لديهم كم هائل من المعلومات حول الجهات الحقيقية التي وراء ما يحدث. صحيح أن المقاومين أناس مؤمنون بقضيتهم، عراقيون وغير عراقيين، على خلاف مع النظام العراقي وضد الوجود الأميركي، إنما تنظيمهم وإدارتهم وتمويلهم لا علاقة لها بهذا المفهوم المزعوم، بل تديرهم مخابرات دول. وبسبب العامل الخارجي ستجد الحكومة العراقية أنها مهددة بشكل مستمر سواء أثناء موسم الانتخابات أو بعد ذلك. فالعراق أصبح ورقة يساوم عليها مع الأميركيين بشكل علني، ويقال صراحة، إن أردتم الأمن في العراق عليكم الجلوس معنا والتفاهم بشأن القضايا الأخرى.

هل يمكن الاستمرار عراقيا في هذا الوضع الخطير، بيدقا على سطح شطرنج؟ الأمر موكول للجانب العراقي أكثر مما هو خاص بالأميركيين الذين يريدون أن يباعدوا قدر المستطاع بينهم وبين الإشكالات الأمنية في العراق من خلال سلسلة خطوات بدأت بانسحاباتهم من المدن والابتعاد عن الشأن العراقي الداخلي والخارجي. المعادلة اللاحقة للأميركيين ستكون مبنية على الحفاظ على النظام العراقي من الانهيار وترك معالجة الإشكالات الأمنية للحكومة، مما سيجعلها في صراع متعب مع القوى المحلية المرتبطة بالخارج.

[email protected]