التمثيل داخل الزنزانة!

TT

أخطر ما يمكن أن يواجهه الممثل في مشواره الفني التورط في سجن الشخصية الواحدة، بالصورة التي يصعب الخروج منها، أو تجاوزها، وهذا «المطب» يقع فيه فنانون كبار، بعضهم يستطيع أن يخرج منه بعد عناء، والبعض الآخر يقضي العمر داخل زنزانة تلك الشخصية، ومن أشهر الشخصيات الفنية التي حاصرت أصحابها شخصيات: «أبولمعة»، و«خواجة بيجو» في مصر، و«أم كامل» في سورية، وفي السعودية يمكن القول بأن النجاحات الكبيرة التي حققها الممثل حسن دردير في دور «مشقاص»، ولطفي زيني في دور «تحفة»، وعبد العزيز الهزاع في دور «أم حديجان»، وعباس أبوشنب في دور «أبو خداش» أغرتهم على تكرار الشخصية عملا بعد آخر، حتى غدا خروج هؤلاء من سجون تلك الشخصيات الفنية أمرا على درجة كبيرة من الصعوبة والإرباك، ولهؤلاء عذرهم، فهم ممثلون موهوبون بالفطرة، ولم تسعفهم ثقافة عصرهم أن يتنبهوا لخطورة هذه الإشكالية، وعلى المستوى العربي يمكن أن يكون دريد لحام حالة الاستثناء، فلقد استطاع أن يبقى داخل شخصية «غوار»، لكنه عمل على تطوير الشخصية من داخلها فكان الرابح الوحيد من بين سجناء الشخصية الواحدة.

ورغم متغيرات الزمن، وتطور الوعي الفني نجد أن ثمة فنانين يلقون بأنفسهم في نفس الإشكالية، ويكررون نفس الخطأ، ففنان على درجة كبيرة من الموهبة مثل فايز المالكي، أغرته النجاحات التي حققها في شخصية «مناحي» في مسلسل «إخواني أخواتي» قبل أربعة أعوام على البقاء في جلباب هذه الشخصية عاما بعد آخر، وانتقل بها من التلفزيون إلى السينما، ورغم النجاحات التي يحققها داخل هذه الشخصية فإنني أخاف عليه أن تتحول إلى شبح يطارده في مستقبل مشواره الفني، فاستمرار الإبهار عبر هذه الشخصية ليس مضمونا على نحو يمكن الاطمئنان إليه، أو النوم في عسله، ولو كنت مكانه لخلعت عباءة «مناحي» فورا، فالذي رسخ هذه الشخصية فنيا قادر على إيجاد مثلها وأفضل منها.

وقريبا من سجن الشخصية الواحدة سجن الثنائيات الفنية، فالتخلص من الثنائية الفنية الواحدة إن طالت يتطلب عملية جراحية بالغة الخطورة أشبه بتلك العمليات التي يجريها الدكتور الربيعة لفصل التوائم، ولربما أصعب.

وباختصار يمكن القول: إن الصعود والهبوط في ساحة الفن أسرع من تقلبات البورصة، والفنان الذكي إن صعد عليه أن يحافظ على رأسه من الدوار، وإن هبط عليه أن يحمي قلبه من الانكسار.

[email protected]