إبراهيم أبو الأنبياء.. على ضفاف النيل

TT

ما زلنا نخطو بأقدامنا في طريق سار فيه من قبلنا قبل قرون بلا عدد.. أنبياء الله ورسله الكرام..

ونحن نخطو هنا بفكرنا وعلمنا بوصفنا علماء آثار بصفة عامة.. وعلماء مصريات بصفة خاصة.. ولم يكن سهلا علينا وسط ضباب القرون أن نصل إلى الحقيقة الكاملة.. حول مسار هؤلاء الأنبياء والرسل.. بأي أرض حلوا؟ وأي أُناس هدوا؟ وفي أي زمان جاءوا؟

ولكي لا نذهب بعيدا.. دعونا نقول بداية إنه جاء في القصص القرآني العظيم ذكر إبراهيم ويعقوب ويوسف وموسى (عليهم جميعا السلام)، وغيرهم من الأنبياء المرسلين، وجاء في قصصهم ذكر أحداث وأماكن؛ ولكن من دون ذكر أي تاريخ.

والتفسير المنطقي لعله يكون لحكمة المولى عز وجل في عدم إخراج ما أورده في كتابه العزيز من مفهومه الشمولي بإسناده إلى تاريخ بذاته يجعل الحدث محدود الزمان. فعندما نقرأ عن قصص أنبياء الله تأتي القصة مجردة من عنصر الزمان، وبالتالي فإن استيعابنا لها يكون أكثر شمولية، وكل ما يدركه العقل هو أن هذه الأحداث قد حدثت في الماضي، وبالتالي تأخذ كل قصة من القصص القرآني حيز الماضي كله.. ماضي أي إنسان يقرأ هذا القصص، وليس زمنا أو تاريخا محددا ومكانا بذاته.

وتأتي قصة سيدنا إبراهيم الخليل، عليه وعلى الأنبياء جميعا السلام، واحدة من أكثر القصص الديني مثارا للحيرة والسؤال.. وبغض النظر عن من هو أبو سيدنا إبراهيم؟ وأين هو المكان الذي ولد فيه؟ والزمان الذي شهد مولده؟ فإن التوراة هي التي ذكرت قصة مجيئه إلى مصر وذلك في سفر التكوين (11/26، 57/41، 1/42) حيث جاء فيه حدوث مجاعة في أرض إبراهيم فقرر أن يهجرها وزوجته سارة ونزل إلى مصر. ولم يأت ذكر نزول إبراهيم عليه السلام إلى مصر في القرآن الكريم، بل ورد في بعض الأحاديث التي رويت عن أبي هريرة (رضي الله عنه) وذكرها البخاري في صحيحه.

ويقيني أن إبراهيم (عليه السلام) زار مصر في فترة رخاء واستقرار، وهناك اختلاف بين العلماء في تحديد هذه الفترة: هل هي الأسرة الرابعة من الدولة القديمة.. أي منذ نحو 4500 سنة؟ أم إنها الأسرة الثانية عشرة من الدولة الوسطى.. أي منذ 4000 سنة؟

وقد جاء نسب إبراهيم عليه السلام في التوراة (سفر التكوين 10/11 ـ 26) من سلالة سام بن نوح، وقد قسمت التوراة شعوب الأرض من نسل النبي نوح بعد الطوفان، فقالت إنه أنجب سام الذي جاء من نسله العبرانيون، وحام الذي جاءت الشعوب الأخرى من نسل أبنائه.

ولقد سبقت هجرة سيدنا إبراهيم إلى مصر هجرته إلى أرض كنعان (فلسطين). وذكرت التوراة باستفاضة قصة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام وزوجته سارة التي كانت على قدر عظيم من الجمال فطمع فيها ملك مصر ونجاها المولى عز وجل بعد تضرعها إليه.

وقد خرج سيدنا إبراهيم من مصر ومعه السيدة هاجر التي وهبها له الملك وقدمتها له زوجته سارة ليتخذها زوجة له لعله ينجب منها وريثا، فكان مولد سيدنا إسماعيل عليه السلام، ثم منّ الله عليه بإسحاق من زوجته سارة، وجاء من نسل إسحاق يعقوب (إسرائيل)، ومن نسله خرج الأسباط الاثنا عشر.

وقد يسأل سائل: ولكن ما علاقة الآثار المصرية بهذه القصة المثيرة.. ذلك ما سنناقشه في مقالنا القادم بإذن الله..