ما بين العراق وسورية

TT

ما كان قيل تلميحا وتسريباً ومواربة خلال السنوات الماضية بات إدانة علنية ومباشرة تطرح أمام الرأي العام عبر الإعلام.

إنها الاتهامات العراقية لسورية بالمسؤولية عن الهجمات الدامية الأخيرة التي ضربت بغداد وعن معظم التفجيرات التي هزّت العراق منذ العام 2003 وحتى اليوم والتي فجرت أزمة كانت كامنة بين البلدين على نحو قد يعيد خلط الأوراق إذا تصاعدت الحدّة الكلامية بينهما.

الجديد في الاتهامات العراقية هو مباشرتها عبر الإعلام على نحو لم يسبق أن حدث خلال مراحل التوتر في العلاقات بين بغداد ودمشق في مرحلة ما بعد سقوط البعث وصدام حسين.

من منا لا يعرف أن نسبة غير محدودة من تدهور الوضع الأمني في العراق يتسرب عبر سورية!

هناك اعترافات ووثائق ووقائع سبق أن تسربت وتم تداولها. حتى في الإفادة الأخيرة التي أعلنها التلفزيون العراقي قبل أيام لقيادي سعودي في القاعدة، تم تكرار اسم «أبو القعقاع» الذي كان قد ورد في سجلات عشرات من الذين نفذوا هجمات في العراق وتفيد بمسؤولية هذا الشخص الموجود في سورية عن تجنيد شبان عرب وتأمين خط إمداد إلى العراق عبر سورية..

هذا الأمر ليس بجديد..

وثائق كاملة تم تسريبها قبل أكثر من عامين حول عشرات من هؤلاء وجنسياتهم وكيفية دخولهم العراق عبر سورية.

المفارقة في الاتهامات العراقية اليوم هو رفع مستوى مواجهة الاضطرابات الأمنية إلى مستويات سياسية جديدة.

سبق أن أتيح للحكومة العراقية مناسبات لإدانة سورية لكنها لم تستغلها.

اليوم قررت القيادة العراقية طرح المعضلة عبر الإعلام. وهل هناك غير الإعلام وسيلة لاختبار صدى هذه الاتهامات وانعكاساتها خصوصا أن الاتهامات اقترنت بالدعوة إلى المحاسبة عبر تشكيل محاكم جنائية دولية.!

سبق أن استخدم الإعلام للضغط نحو تشكيل محاكم جنائية. هذا الأمر اختبر في محاكم الحرب التي حدثت في يوغوسلافيا ودارفور مثلا.

لربما أدرك المسؤولون العراقيون كم أن المأساة العراقية في السنوات الأخيرة قد ابتذلت عبر الإعلام من خلال تفريغ المحنة الإنسانية من محتواها. جرى ذلك عبر عرض مبتور ومجتزأ أو متمترس خلف مواقف سياسية وهو حال الانقسام السياسي والإعلامي العربي العام.

باتت تفجيرات العراق مشاهد رتيبة ولم تعد حرارة الدم فيها تكفي لإيقاظ من غطوا في سبات عميق وعلى نحو أعم لم تعد تلك المشاهد تساهم في حشد رأي عام عالمي داعم لتشكيل محاكم دولية تدين العنف في العراق وتحدّ منه.

هل تعيد الاتهامات العراقية الأخيرة الاعتبار للمشهد العراقي من خلال الضغط نحو تشكيل محاكم جنائية دولية!

بالطبع لا يكفي ذلك. هناك حاجة لخطوات إضافية وجدية أهمها توثيق الإرهاب على نحو يتجاوز السبق الإعلامي اليومي إلى الدفع بقرائن وأدلة تجعل المحكمة الجنائية ليست وسيلة ضغط ومساومة بقدر ما تكون ردعا ومحاسبة..

هذا أقل ما يمكن تقديمه لضحايا المحنة في العراق..

[email protected]