محاولة فاشلة للفرح

TT

رغم قراري باعتماد الاغتباط مهما تدهورت الأمور إلا أنني مضطرة لإعلان عجزي، مستغفرة ربي، حتى يوم ميلادي، الذي أعتبره مناسبة للفرح باقتراب الميعاد والخروج من لجنة الامتحان بدرجة قبول معقولة تؤهلني للالتحاق بحياة أخرى خالدة مريحة، ثقلت عليّ وطأة أحداثه حتى كدت أفتن، والعياذ بالله!

يتكلمون عن وباء إنفلونزا الخنازير؟ أفلا يلحظون وباء السرطان السادر في غيه كالنار في الهشيم؟ ومع ذلك فأنا أراه هينا إلى جانب وباء القابلية للاستذلال الذي يتغلغل بتسارع مروع بين ظهرانينا في ترحاب وترحيب وفخر وافتخار. لم يعد التطبيع مع العدو الصهيوني آفة يتوارى صاحبها عن الأعين خجلا أو اعتذارا أو تبريرا، كلا! كلا! بل هو الصائح مُدينا المستقيم على الحق بأنه «وش» المصائب ومنبع النكد والمفوّت لفرص البيع (بأبخس الأثمان!). لم يعد منطق القائلين: « أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ » يثير التقزز والاشمئزاز بل صار راية يتعاجب بتأييدها المتواقحون، وينكمش أمامها المتذبذبون، وتلقى منها الحجارة على المقاومين.

المغالطة، التي يزعم أصحابها أن الحكمة كانت تقتضي قبول العرب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر 29/11/1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وفلسطينية، باتت الحدوتة الملتوتة من فلاسفة الدعوة إلى الاستذلال تحت راية منطق: « أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ »، الفاردة طولها وعرضها فوق أدمغتنا ليل نهار.

يقول قائل منهم في نواحه على «الفرصة الضائعة» إن العرب رفضوا القرار عن جهل وعدم خبرة، وعدم قدرة على قراءة الواقع، وإن الدولة التي رفضوها عام 1947 يبوسون الأيدي اليوم للحصول على ما هو أقل منها مساحة وسيادة وسكانا، ولا ندري من هم هؤلاء الذين يبوسون الأيدي من أجل الزبالة التي تلقيها الإدارة الأمريكية في لفافات مقترحاتها العقيمة على منطقتنا؟

وللأبرياء، الذين لم تواتهم فرصة لتأمل قرار 29/11/1947، ألخص بنود الجور الذي يريدوننا أن نندم لعدم استسلامنا الفوري له:

يقول قرار التقسيم، هذا الصادر عن الأمم المتحدة 29/11/1947، للصهاينة الأغراب الذين لا حق لهم أصلا في الأرض الفلسطينية تعالوا أعطيكم 56 ونصف% من فلسطين التي لا تعرفكم ولا تعرفونها لتقيموا دولة يهودية لكم، هكذا من الباب للطاق، من دون أي سند شرعي أو قانوني إلا منطق جبروت القوى العظمى التي أرادت أن تخضع الدنيا لإرادتها الغاشمة بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية، (1939/1945)، فكيف لا تسارع العصابة الصهيونية الطفيلية بقبول ذلك التقسيم المنكود بالترحاب، وقد أعطى من لا يملك من لا يستحق، وتعلن قيام كيانها الصهيوني العنصري في 14/5/1948؟

وحين يلتفت قرار التقسيم 29/11/1947 إلى الفلسطينيين، أهل فلسطين وملحها عبر الدهور والعصور، يقول لهم: نأخذ للغاصب أكثر من نصف أرضكم ونبقي لكم 43% منها بعد انتزاع مدينتكم «القدس» للتدويل مشاعا على مائدة اللئام، فكيف كان من الممكن أن نلبي هذا السحت، وبأي موجب كان لا بد من الإذعان لقوانين الغاب المفترسة من دون أي محاولة لمقاومتها ولو لبضع سنوات؟

إذا كان رفض التسليم الفوري للبغي والظلم والعدوان هو، في رأي ضعاف العزيمة، النشطاء في الترويج للاستذلال، جهل وعدم خبرة، فمتى كان الانسحاق والتفريط والابتهاج بالخسارة هو العلم و«الحداقة»؟

ويبقى في أذني صوت الراحل الكريم، محمد جلال كشك، وهو يتميز غيظا وألما يتساءل:

هل هناك أمة تندم لأنها لم تستسلم فورا؟