«قنابل غوغل».. وصدماتها

TT

عندما أشار الكاتب الشهير أوسكار وايلد إلى أن الشيء الوحيد الذي يعد أسوأ من الكلام هو ألا يكون هناك كلام، لم يكن يتخيل وجود الإنترنت.

ولا تعد المساحة الواسعة التي نعرفها الآن ونحبها (في الأغلب)، والتي يُطلق عليها ساحة المدونات، منطقة جيدة على الدوام، فحرية التعبير بها مصانة وغالبا ما تتسم بالخطورة.

وقد كانت التسوية الأخيرة بين امرأتين ـ عارضة أزياء بمجلة «فوغ» ومدوِّنة غير معروفة ـ ونشب نزاع بين الاثنتين حول ما يُسمح به تحت مسمى حرية التعبير. وبعد أن وصفت المدوِّنة عارضة الأزياء ليسكولا كوهين بأنها «فاحشة»، طلبت الأخيرة من شركة «غوغل» الكشف عن هوية المدوِّنة. وأقرت محكمة عليا في نيويورك أن لها الحق في الحصول على المعلومة وطلبت من الشركة الكشف عن اسم المدوِّنة.

وقامت المدوِّنة، التي شعرت بالغضب الشديد وكشف أن اسمها هو روزماري بورت، برفع دعوى قضائية ضد شركة «غوغل» تطلب فيها تعويضا قيمته 15 مليون دولار بسبب كشف الشركة عن هويتها. ويقول أندرو بيدرسون، من شركة «غوغل»، إنه على الرغم من أن الشركة تتعاطف مع من يتعرضون لهجوم على الشبكة الإليكترونية فإن الشركة «تتوخى مقدارا كبيرا من الحذر فيما يتعلق باحترام المخاوف ذات الصلة بالخصوصية، وسوف نقدم المعلومات عن المستخدمين في حال وجود أمر من المحكمة».

أمر حسن

ربما يبدو ذلك كله مثل أنه شجار جانبي بين المرأتين اللتين لا تحبان بعضهما بعضا. ومثلما أشار المدوّن البارز وأستاذ القانون غلين رينولدز على مدونة «إنستابونديت»: «لم أكن لأسمع عن اسم «ليسكولا كوهين» وعن كلمة «فاحشة» مطلقا لو لم تقم (عارضة الأزياء) بإجراءاتها القضائية بهدف الكشف عن هوية المدوِّنة».

ومع أن قضية عارضة الأزياء لا تبدو ذات أهمية في نفسها، فإنها تثير تساؤلات مهمة حول الخصوصية وسرية الأسماء ومستقبل حرية التعبير على الشبكة الإليكترونية.

ولا يمكن النظر إلى مشكلة التشهير عبر الإنترنت على أنها مشكلة جديدة، ولكن بدأت الدعاوى القضائية العديدة أخيرا تضع تحديا أمام أسلوب السماح الذي ارتبط بالإنترنت. ومن بين التواريخ الشهيرة ذات الصلة تاريخ يعود إلى عام 2006 عندما حصلت سيو سكيف على حكم بـ11.3 مليون دولار ضد امرأة كانت قد نشرت المئات من تعليقات التشهير حول سكيف وشركتها، وهي شركة تقدّم استشارات إلى أولياء أمور المراهقين الذين يعانون من اضطرابات.

وبعد أعوام من العذاب تضمنت تهديدات وأمنيات بالموت، تمكنت سكيف من إثبات أن سمعتها وشركتها تضررتا بسبب التعليقات التي ذكرها المتهم. وفي كتابها الجديد «قنبلة غوغل»، المقرر أن ينشر في بداية هذا الشهر وكتبته بالشراكة مع المحامي جون دوزير، تحكي سكيف قصة دعواها القضائية وتقدم النصح إلى الآخرين الذين تضرروا من عمليات تشهير مشابهة على الشبكة الإليكترونية.

و«قنبلة غوغل» هو تعبير عامي على الشبكة الإليكترونية يشير إلى محاولة رفع ترتيب صفحة معينة في خدمة البحث التي تقدمها شركة «غوغل». ربما تكون شعبية صفحة معينة انعكاسا لارتباط الصفحة بنشر الحقائق، ولكن ربما تحظى الصفحة بشعبية لأسباب أخرى. واسمح لي بأن أقول إنه يمكن ذلك عن طريق مبيعات مؤذية.

ونزع فتيل «قنابل غوغل» لا يعد شيئا ممتعا ما لم تكن مهووسا بالكومبيوتر أو لا توجد لديك وسيلة أخرى مفضلة للاستفادة بوقتك. وللإبقاء على ملفك على الشبكة الإليكترونية إيجابيا وبارزا، فإنه عليك أن تشارك في المدونات وترسل رسائل عبر موقع «تويتر» وتحافظ على تصفح مواقع إليكترونية، أو أن تقوم باستعمال شخص كي يقوم بذلك نيابة عنك. وتقول سكيف إنها تشعر بالاستياء من القيام بذلك، ولكن «إذا كنت لا تمتلك اسما خاص بك، فإن شخصا آخر سوف يقوم بذلك».

وترى سكيف أنها محظوظة لأنها كانت قادرة على توكيل محام وشركة رقابة للإنترنت تدعى «ربيوتاشن دفيندر» لإدارة شخصيتها على شبكة الإنترنت. وهناك آخرون لا يسعفهم الحظ للقيام بذلك. وقد خسر مصور حفلات زفاف عمله عندما استأسد عريس غير سعيد وتعدى عليه على الشبكة الإليكترونية.

وتقول سكيف «لا يوجد شخص محصن». وكونك غير نشط شخصيا على الإنترنت لا يعني أن ملفك ليس متاحا على الإنترنت، وليس ضروريا أن يكون ذلك على نحو جيد. وقد أطلقت شبكة الإنترنت العنان لهذا الجانب فينا الذي اعتدنا أن نبقيه تحت الأغطية. ويمكن الآن للأفكار المظلمة أن تظهر وأن تنمو في وضح النهار.

وربما كانت الحرية التي منحتها المحافظة على سرية الهوية والجمهور الافتراضي منحة من الديمقراطية، ولكنها تمثل أيضا طاعونا ينال من آداب السلوك.

وتشير قضية سكيف وحادث كوهين إلى احتمالية ظهور مستوى جديد من المحاسبة، مفقود بدرجة كبيرة في المدونات الشخصية. وتقول سكيف «ما تكتبه اليوم يمكن أن يطاردك غدا، ويحتاج الناس إلى معرفة أنه إذا استخدم أحدهم الفأرة ولوحة المفاتيح للإضرار بالآخرين، فإن هناك ثمنا لذلك».

والضرر هي الكلمة المستعملة. وعلى الرغم من أن سكيف كانت قادرة على إثبات وقوع خسائر مادية، يبدو أن كوهين حققت مكاسب من ظهورها كضحية لفترة وجيزة. وقد قامت بإسقاط دعواها القضائية وسامحت المدونِّة.

بالطبع لا يحب أحد أن يذكَر بسوء على الشبكة الإليكترونية أو في أي مكان آخر، والناس يعرفون معنى ذلك. ولكن ترى سكيف أنه في ظل عدم وجود تشهير يمكن قياسه، فإنه يجب المحافظة على سرية الهوية. وبناء على ما قامت به شركة «غوغل» والمحكمتان، فإن كوهين تمكّنت من أن تؤكد على درس طالما أُغفل، وهو أهمية التفكير قبل الكتابة، وإلا ربما يطلب شخص ما تعويضا ماديا مقابل ما لديك من أفكار.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»