وكالة المخابرات المركزية تتنفس الصعداء

TT

«لنلتزم بالأمر». كان ذلك هو توقيع ريتشارد هلمز، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، وهو أذكى مديري شبكات التجسس التي عرفتها هذه البلاد. وكان ذلك هو الشعار الصحيح للوكالة مع محاولتها إعادة التركيز على مهمتها الأساسية بعد الكشف عن أساليب «التحقيق المطورة» مع معتقلي «القاعدة».

ومسؤولو وكالة المخابرات المركزية ليسوا أغبياء، وكانوا يعلمون أنهم يتوجهون إلى وجهة غير معلومة العواقب ـ من الناحية القانونية والأخلاقية ـ عندما وافقوا على برنامج التحقيق. وذلك التوجه هو جزء من روح الوكالة، القيام بالأعمال الصعبة التي تتجنبها الجهات الأخرى. وكان هؤلاء المسؤولون يأملون من حكومتهم حمايتهم من الثارات المستقبلية، لكن الكبار كانوا يتشككون دائما في وعود السياسيين بالدعم.

وكما يحدث دائما في بلادنا، فإنه يتضح أن المتشائمين كانوا دائما على صواب. وعلى الرغم من الحديث الرائع للرئيس أوباما عن التطلع إلى الأمام وعدم النظر إلى الخلف، فإن النائب العام إريك هولدر قد قرر أن يواجه محققو وكالة المخابرات المركزية مراجعة لسلوكيات كانت إدارة بوش قد أكدت على أنها قانونية. وذلك على الرغم من تقديم الأدلة نفسها قبل خمسة أعوام لممثلي الادعاء، الذين قرروا عدم الاطلاع على أي قضايا.

ولكن على أقل الأحوال فإن هذه الفترة البائسة من تاريخ وكالة المخابرات المركزية قد أوشكت على الانتهاء. وعند حديثي مع موظفي وكالة المخابرات المركزية هذا الأسبوع شعرت براحة كبيرة لأن الوكالة يمكنها أن تعود إلى عمل التجسس مرة أخرى، على الرغم من إصابتها بالدوار والارتباك بسبب ما تم الكشف عنه فيما يتعلق بأساليب التحقيق.

وقد اعترف أحد كبار المسؤولين في وكالة المخابرات المركزية بقوله: «إن الوكالة تشعر بالسعادة لعدم القيام بذلك». والآن فإن مكتب التحقيقات الفيدرالي هو الذي سوف يدير التحقيقات، مع وجود ضباط وكالة المخابرات المركزية إلى جانبهم للنظر بشأن تجنيد الأسرى ليكونوا عملاء مزدوجين، والنظر في إمكانية «تسليمه» إلى بلد آخر أو التحقيق معه في الولايات المتحدة. أما ستيفين كابيس، وهو مسؤول التوظيف ويعمل كنائب مدير وكالة المخابرات المركزية، فهو «لا يرغب في المشاركة في التحقيقات على الإطلاق»، وذلك حسبما أفاد أحد مسؤولي البيت الأبيض، الذي أردف قائلا: «إنه يرغب في ترك الأمر».

ومع قراءة تقرير المفتش العام في وكالة المخابرات المركزية لعام 2004، فإن المرء يشعر بأن مسؤولي الوكالة كانوا حذرين من البداية. وقد ورد في تقرير المفتش العام أن «أحد المسؤولين قد أبدى قلقه من أن يظهر بعض مسؤولي الوكالة على (قائمة المطلوبين) للوقوف أمام المحكمة الدولية لجرائم الحرب». كما أبدى آخر قلقه من أنه «خلال عشر سنوات سوف نكون آسفين لقيامنا بذلك.. (ولكن) يجب القيام به».

وعند النظر إلى الماضي فإنه من السهل القول إنه كان على مسؤولي وكالة المخابرات المركزية رفض المهام الموكلة إليهم، والتي كانوا يشكون في أنها سوف تعود عليهم بالعواقب الوخيمة. لكن التساؤل حول الأوامر الرئاسية ليس هو عملهم في الحقيقة، لا سيما عندما تساند هذه الأوامر الآراء القانونية لوزارة العدل.

فماذا سيحدث في المرة المقبلة عندما يطلب البيت الأبيض من وكالة المخابرات المركزية أن تقوم بشيء تختلف الآراء عليه؟ حسنا، إنكم تعرفون الإجابة. سوف يرغب مسؤولو وكالة المخابرات المركزية في الحديث إلى محاميهم، وربما بعد ذلك إلى محامين من الحزب غير الحاكم. وليس ذلك هو التفكير الصائب لوكالة استخبارات حديثة.

وقد تعثرت وكالة المخابرات المركزية في برنامج التحقيقات ولم تكن مستعدة بصورة جزئية لأنّ مسؤولي الوكالة كانوا منغمسين في فضائح التعذيب مع أجهزة استخبارات «صديقة» في أميركا اللاتينية والشرق الأوسط. وفي الواقع، وكما جاء في التقرير، فإنه «بسبب الحساسيات السياسية» فإن أحد المسؤولين الكبار في وكالة المخابرات المركزية في بعض الأوقات قد «منع مسؤولي الوكالة من استخدام كلمة التحقيق».

ولأن التحقيق كان محظورا من الناحية السياسية فإن الوكالة لم يكن لديها خبرة داخلية في 11 سبتمبر (أيلول) 2001، ولذا فعندما تم اعتقال كبار الناشطين في «القاعدة» كان هناك اختلاف بشأن كيفية التحقيق معهم. ولم تكن أي وكالة حكومية أخرى ترغب في حدوث المشكلات. وقامت وكالة المخابرات المركزية بما يقوم به البيروقراطيون في وقت الأزمات، حيث اتجهت إلى المتعاقدين من الخارج الذين كانوا يزعمون أن لديهم خبرات خاصة، وفي هذه الحالة كانوا يقدمون «الإيهام بالغرق» لبرنامج تدريب القوات الجوية.

وكان دليل وكالة المخابرات المركزية «غير دقيق في البداية» ولكنه «تحسن بصورة ملحوظة»، حسبما يفيد التقرير. ويلفت أحد المراقبين الداخليين النظر إلى التعليق المشهور لهنا آرندت حول «الاعتياد على الشر». والإيهام بالغرق عبارة عن «وضع قطعة من القماش على جبهة وعيني المعتقل، وبعد ذلك يصب الماء على قطعة القماش بطريقة معينة. ومع القيام بذلك تنخفض قطعة القماش حتى تغطي الأنف والفم..».

ومن بين الوثائق المرعبة التي تم الإعلان عنها أخيرا، تلك الوثيقة التي طلبها نائب الرئيس السابق ديك تشيني ليظهر مدى نجاح برنامج التحقيق. وقد جاء فيها أن 3800 تقرير من إجمالي 6600 تقرير للمخابرات حول «القاعدة» قد جاءت من «إفادات المعتقلين».

وهذا النوع من المقاييس يرسل رسالة: إنها لعبة أرقام أيها الأصدقاء، فلا عجب إذن أن تكون وكالة المخابرات المركزية قد سعدت بابتعادها عن إجراء التحقيقات.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»