قم وطهران: موقفان واتجاهان مختلفان

TT

كانت خطبتا الجمعة في كل من قم ـ العاصمة الدينية لإيران ـ وطهران ـ عاصمة الجمهورية الإسلامية ـ يوم الحادي والعشرين من أغسطس (آب) على طرفي نقيض. أعني بذلك أنه لدى مقارنة خطبة آية الله أحمد جنتي في طهران بخطبة آية الله إبراهيم أميني في قم سيتضح أن الاثنين ينتميان إلى اتجاهين مختلفين. واسمحوا لي أن أقول لكم إننا نشهد نوعين من الإسلام بينهما هوة عميقة.

لكن في البداية أود أن أقدم لكم الإمامين:

كان أحمد جنتي عضوا في مجلس الأوصياء منذ عام 1980 ثم ترأس المجلس منذ عام 1988. ويمتلك أحمد جنتي تأثيرا قويا لأنه عضو في مجلس صيانة الدستور ومجلس الخبراء.

كان جنتي أحد مؤسسي مدرسة هاغاني أحد أكثر المدارس الدينية النافذة في إيران والتي تحظى بتأثير كبير على الرئيس أحمدي نجاد.

وقد لعبت مدرسة هاغاني دورا رئيسا في إيران في أعقاب الثورة، كما شغلت غالبية طلابها مقاعد في وزارة الاستخبارات والقضاء والحرس الثوري.

كان شاه شيراغي صديقا لي وكنا نوابا في البرلمان في الحقبة الأولى لبرلمان إيران وقد درس في مدرسة هاغاني قبل الثورة، وحكى لي ذات يوم أن: «فلاحيان ـ الوزير الأسبق للاستخبارات ـ أخبره ذات يوم قائلا كنت أعتقد أننا إذا انتصرنا في الثورة فسنكون نحن أبناء هاغاني عقل النظام الحاكم الثوري، لكن على العكس من ذلك الآن فنحن لسنا سوى أحذيتها».

بعد عشر سنوات تحديدا من مقتل شاه شيرغاهي بعد سقوط طائرته إثر إصابتها بصاروخ عراقي قال لي فلاحيان هل تعلم أين الجنة الحقيقية والجنة المفقودة، لا توجد أنباء عن ذلك!

لم يقبل جنتي أي وظيفة أمنية أو عسكرية، لكنه كان أحد أشد المتطرفين في العقود الثلاثة الأخيرة. وخلال خطبة الجمعة التي ألقاها مؤخرا طالب القضاء وقوات الأمن بالقبض على خاتمي وكروبي وموسوي كقادة للاضطرابات الحالية في إيران.

وبعد وفاة آية الله العظمى الخوئي وتقديم آية الله السيستاني كمرجع تقليدي قال جنتي إن البي بي سي وبريطانيا هما اللذان انتخبا السيستاني كمرجع تقليدي.

ونتيجة لتطرفه تحول ابنه إلى الماركسية وقتلته قوات الأمن في عهد الشاه قبل الثورة. وقد أعلن عن رغبته ليلة أول أيام رمضان المبارك أن يرى موسوي وكروبي في السجن.

المثير للدهشة أنك لا ترى أي كتاب أو مقال لجنتي، وهو ما يعني أنك إذا ما أردت دراسة آرائه فعليك أن تقرأ خطبه ولقاءاته. من ناحية أخرى هناك آية الله إبراهيم أميني، خطيب الجمعة في قم. ونائب رئيس مجلس الخبراء وهو أكبر من جنتي وكلاهما من أصفهان. وعبر أميني عن اعتقاده بأن فكرة القبض على موسوي وكروبي ليست العمل الصائب، كما أبدى إعجابه بهما لأنهما كانا من أقرب الداعمين للثورة والخميني. بالإضافة إلى ذلك، أوصى الهيئة القضائية وقوات الأمن بالإفراج عن السجناء واستخدم لفظة «بريئون» لوصفهم.

أشار أحمد جنتي خطيب جمعة طهران إلى قادة الإصلاحيين (خاتمي وموسوي وكروبي) يجب أن يعتقلوا حتى يخمد النزاع والاضطرابات حول الانتخابات. وقد صرح أحمد جنتي رئيس مجلس الأوصياء والداعم القوي لأحمدي نجاد بأن انتخابات 12 يونيو (حزيران) أنزه انتخابات شهدتها إيران منذ ثورة عام 1979.

وقال جنتي «إن معارضة نتائج الانتخابات والتحريض على القلاقل قبل الانتخابات يرقى إلى الاضطهاد ضد الإسلام والمؤسسة الحاكمة والشعب، وأن المسؤولين عن ذلك يجب أن يقدموا للمحاكمة وقد اعتقل البعض منهم (في الاحتجاجات) فيما لم يعتقل الآخرون. وقال جنتي للمصلين يوم الجمعة: «لماذا لم يعتقل قادة تلك الاضطرابات. يجب أن يكون اعتقالهم هو أول مهام الهيئة القضائية».

وقال جنتي يمكن تشبيه ما يحدث اليوم بالانقلاب المدعوم من الولايات المتحدة عام 1953 عندما أطيح بمحمد مصدق، رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا عبر انقلاب عسكري «إنهم يريدون تكرار ذلك الانقلاب غير مدركين أن العبء لم يكن من الذكاء السياسي حينها. ففي عام 1953 ينزل أحد إلى الشوارع ولم يستشهد أحد وسادت 25 عاما من الحكم الاستبدادي، لكن اليوم الشعب مدرك جيدا الموقف السياسي كما حث أيضا الرئيس الجديد للهيئة القضائية آية الله صادق لاريجاني لمحاكمة قادة الشغب في أول عمل له بعد توليه المنصب».

وقد لقيت تلك الدعوة الدعم من رجال الدين المتطرفين والمسؤولين وكبار ضباط الجيش والحرس الثوري. وقال البريغادير جنرال يد الله جافاني رئيس المكتب السياسي للحرس الثوري إن محاكمة موسوي ستضع نهاية للفوضى التي تلت الانتخابات. وصرح جافاني في الأول من أغسطس (آب): «السؤال الذي يطرح نفسه هو من هم القائمون خلف هذه الأحداث وما هو دور كل من محمد خاتمي (الرئيس الأسبق) وموسوي وكروبي؟ اليوم لا أحد حياديا وهناك تياران: هناك من يدافعون عن ويدعمون الثورة والمؤسسة الحاكمة ومن يحاولون إسقاطها».

أما آية الله إبراهيم أميني، أشهر خطباء المدينة المحافظة قم فقد أدان استخدام الحكومة للعنف، ودعا الحكومة لإطلاق سراح المسجونين الأبرياء وطالب حكومة احمدي نجاد بالبدء في عملية مصالحة ووقف الانتهاكات ضد حقوق الناس تلك الاختلافات الصارخة بين خطبتي الجمعة في العاصمة السياسية طهران والعاصمة الدينية قم يقدم دليلا إضافيا على اتساع عمق الهوة بين القطاعين الديني والسياسي في إيران في أعقاب انتخابات 12 يونيو (حزيران). وقد دفعت خطبة الجمعة التي ألقاها أميني المتشددين المناصرين لآية الله مصباح يزدي لإلغاء مظاهرتهم المخطط لها ضد آية الله العظمى الصنيعي الذي هاجم أحمدي نجاد بقوة.

يبدو لي أننا نشهد الآن هوة عميقة بين الحكومة والدولة، وتحاول قم، خطوة بخطوة، أن تظهر أنها ضد العنف والقبض على الإصلاحيين. وعلى الرغم من الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها وزارة قم إلا أن آية الله العظمى لم يبعث برسالة واحدة إلى أحمدي نجاد. إضافة إلى أنهم كانوا ينتقدون الحكومة علنا. وتلك في رأيي هي بداية النهاية للاستبداد في إيران.